عشت في كندا 28 سنة، لم أغادرها إلا قليلاً، ولا أعرف منها، جغرافيا، إلا ثلاث مدن. ليس لي فيها قرابات ولا عائلة، ورغم كوني من أصول مسيحية، إلا أنني بعيد عن ممارسة أي طقس ديني مع المسيحيين.
لي الكثير من الأصدقاء الذين أعتز بهم. أكسب رزقي منذ 18 سنة، وقبل ذلك كانت الدولة تقدم لي الحد الأدنى من المساعدات، على مدى عشر سنوات، ليس منّة من أحد، ولا لسواد عيوني العربية، أو لأنني ابن طائفة معينة، ولم يتوسط لي أحد، أو أدفع رشوة لمسؤول، وإنما كنت أحصل على هذه المساعدات، لأنه واجب الدولة الكندية تجاه مواطنيها، ومع ذلك لم يأتِ أحد ويقول إنني أخون الوطن الذي أنفق عليّ وعلى أسرتي، كما فعل أحد المؤيدين من سورية، تعليماً وصحة وسكناً وأمناً، عندما أوجه سهام نقدي لرئيس الحكومة أو أحد وزرائها، أو لأداء الحكومة عندما يكون سيئاً.
ولم يقل لي أحد: أنت ضيف هنا، ويجب أن تحترم حق الضيافة، كما فعل بشار الأسد شخصيّاً عندما وجه سهام كلامه ودباباته إلى الفلسطينيين ومخيماتهم في سورية، أو عندما قتل السوريين، لأن الحاكم في كندا ببساطة، ليس مالكاً لها، كما يفعل بشار الأسد ويظن، الذي يعتقد أن سورية مزرعة ورثها عن أبيه مع أرضها وبشرها وحيواناتها، وهو حر التصرف بما يملك، وليس لأحد أن يحاسبه.
لم يأتِ أحد ويقول إنني أخون الوطن الذي أنفق عليّ وعلى أسرتي، عندما أوجه سهام نقدي لرئيس الحكومة أو أحد وزرائها، أو لأداء الحكومة عندما يكون سيئاً.
الأسبوع الماضي، ذهبنا عائلياً، الى مدينة أميركية قرب الحدود الكندية، تبعد ساعة عن مونتريال، وقبل أن ينتهي النهار كان ضجر الغربة قد استعمرنا جميعاً. سألت الأولاد وزوجتي عن مشاعرهم، فكان جواب الجميع إنهم يعيشون في غربة في هذه المدينة الأميركية.
قبل غياب الشمس تجاوزنا الحدود، ودخلنا كندا فتنفسنا بعمق من يستنشق هواء وطنه. عندما كنت في سورية، كان إحساس الضيق يغادرني بمجرد تجاوزي لنقطة الحدود اللبنانية، مع كامل معرفتي أن النظام السوري، في لبنان، هو بنفس طغيانه في سورية.
كاتب التدوينة: ميخائيل سعد