عندما تحكم الحياة خناقها حول أحلامك، وتحمر عيناها معلنة افتراس أحلى أيامك، فتنقض لتقضم وتقتص من سعادتك، أو مالك، ربما رزقك أو أحبائك، ابتلاء قد يقتلك أو يفلتك بعد أن يفعل فعلته معك، فتتهم سن الحياة وناب القدر.
الحياة هي رفيقة بفصول أربع، تارة ربيعية حسناء، خضار عيناها ساحر، وشروق وجهها ينبئ بالأجمل، وتارة شريرة شمطاء تعصف بالأحزان لتمطر عيونك العبرات وتسكنك الحسرات، تتقمص دور الخريف أيضا، الذي يسقط الأماني كما تسقط الأوراق تباعا، وصيفية تعتصرك بلهيب الأحداث حينا وتبهجك بنشوة البحر أخرى..
هكذا هي جبلت على الابتلاء الذي لا مفر منه، فتتقلب أنت بين الأيام شاكرا متعلما، تتضور من جوع اليوم لتستطعم وتلذذ نعمة رغيف الأمس، تتألم لهنيهات أو سويعات ليرق قلبك لمن يعتصره الألم سنوات، فيحن قلبك فتسارع لمد يد العون، فيمتلئ بطين قلبك رحمة وتضخ عروقك رأفة فتنال الأجر وتتقن لغة العطاء، ثم ترجع سالما لتسكن قصور الحامدين، إذن هو جوهر الابتلاء..
فما المغزى منه يا ترى؟
الابتلاء مقص يجمل عشوائية المشاعر، فيصففها ويزيل الأشعث المقصف منها، ليبقى المسترسل الجميل من طيب الصفات والأخلاق، غربال تنزل من ثقوبه شوائب خبيثة علقت بالنفس فشانتها، ليبقى الصافي من دقيق الصدق والإحسان يزينها..
الابتلاء صابون يغسل أوساخ النفس بعد أن تحرقك فقاعاته، فتسيل دموع وتحمر العيون، ليجلو وسخ القلب وينصع بياضها..
الابتلاء مشرط يزيل أورام القلوب الوجدانية دون تخدير، فتؤلمنا تلك الجروح نعم وقد تترك ذكراها ندبات، لكنها تعصر ثمرة قلبك فيسقط نوى الشر ويبقى طيب المعصر إن شاء الله..
تقاسيم الابتلاء بشعة جاحظة المظهر، ناشزة عن معزوفة السعادة، متقنة للحن الألم، عرجاء أحيانا عن خطى ما نحب ونريد، لكنها أم ولود لبنات الجمال من الخلق.
السعادة نسبية لن تتحقق بمفهومها الكامل إلا عند عودتك إلى موطنك الأصلي، جنة الرحمان فالمؤمن الكيس عليه أن يكون صابرا حامدا، لا لعانا، فالابتلاء لا مفر منه، فلا تتهم سن الحياة ولا ناب الزمن، واسأل الله الثبات فما الحياة إلا جسر ومعبر لضفة الآخرة، فاللهم نسألك اللطف فنحن ضعفاء بأنفسنا أقوياء بك وحدك، نستعيذ بك يا الله من جهد البلاء.