مدوناتمدونات أدبية

لحظات أمل

اليوم أصبحت تعي جيدا بأن حياتها -كما هي حياة الجميع- مجموعة لحظات عليها أن تتأقلم معها، لحظات تعي فيها المعنى الحقيقي للحزن الذي يرمي بها في غياهب الوحدة والكآبة، فتشتهي العزلة حتى عن ذاتها، يأفل ذاك النجم الساطع في الأفق، ماسكا عنها نوره المشع الذي يغذي روحَها المتشرذمةَ، فتخبو ويخمدُ توهُّجُها، لتصبح حبيسة هذا الجسد المادي الذي يُحكم قبضته عليها، والروح عبثا تحاول التحرر..

اليوم استطاعت أن تجد تعبيرا دقيقا لما يعتريها من إحساس الأسر هذا، إنه طائر الحياة بألوانه  الزاهية الجميلة محبوس بين ضلعي قفصها الصدري، يرفرف بجناحيه الملونة بألوان الحياة بأقصى سرعته، ولكن عبثا يحاول الإفلات من الأفكار التي تصول وتجول بعقلها دون رقيب أو حسيب، عبثا يحاول التخلص من برانس جسدها الذي بات جلادا تحت طواعية عقلها..

أصبح هذا العقل نسرا كاسرا لا يأبى إلا أن يقضي على فريسته، لا يأبى إلا أن يكدِّرَ صفو الروح ويكبحَ جماحها ويقتلَ الفرحة في عقر دارها..  ليغتال الأمل فيها بالتحرر من جديد وتصبح محاولة التنصل من أنياب الكآبة التي تجر بها لعالم الوحشة والتعاسة والوحدة والقلق وفقدان الأمل بل حتى قلة الحيلة والضعف والهوان.. شبه مستحيل.

في كل مرة يفتك بها هذا الضجيج الذي يستولي على عقلها، تستلقي على سريرها وتغمض عينيها، تركز على طائرها المحبوس بين ضلعيها تتحسر عليه بشدة، ترتفع حدة توترها، ترتفع وترتفع.. يخفق قلبها بشدة فتخشى على نفسها شدة الألم والحسرة..

في نفس اللحظة بوعي شديد وتركيز أشد، توجه تركيزها إلى شهيقها وزفيرها المتتاليين، تراقب تنفسها في محاولة منها لإسكات حوارها الذاتي الغير المنقطع، على الرغم من محاولاتها المتكررة بقمعه. لكن هذه المرة ما إن حاولت إخماد جلبته حتى سمعت صوتا رخيما يدوِّي في آذان طائر الحياة فيقول: لا عليك فما الحياة إلا تقلب بين لحظة وأخرى، الدنيا لم تثبت على حال فدوام الحال من المحال ولهذا:

عندما تقبع الآلام بأحشائك

لخيبة أمل.. أو خذلان.. أو خيانة
احزن.. ابكي.. وبأعلى صوتك اصرخ

لا تعر اهتماما لبريستيج الأنا.. وتمرد عليها
اسحق الصورة النمطية التي تعلقت بذهنك
أشعر بالألم ككلب مسعور ينهش دواخلك
لا تصارع من أجل التخلص من آلامك وأحزانك
كل ما عليك هو أن تستسلم لأحاسيسك

أعطي  لكل لحظة حقها بالاستيلاء على مشاعرك
راقبيها بصبر وحيادية وانسى أمر المقاومة
ففي قمة الألم.. وذروة الحزن
سيشق الأمل طريقه إليك

يعكس صدى صوته بداخلك
يغير منحى سيرك
تسمعه، يهزك، يوقظك ويحفزك
فإذا بها لحظات أمل تسحق بقاياك المنهكة
ويتحرر طائرك ليرقص رقصة الحياة
 

وها هي لحظات جديدة اغتالت ما قبلها، لتحيا على أنقاضها لحظات ستسعد بها الروح وتبتهج.

الآن فقط انسجمت مع نغمات الكون الصادرة من المدى البعيد، ليتلألأ نجمها في الأفق، يد خفية تطال خصلاتها بلمسة أحيت فيها الأمل الجميل، ليكون سراجا ينير ظلمة سردابها الداخلي، فيعيد رسم ملامحها وملامح الحياة بعينيها. 

فلتسعدي يا روحي فما الحياة إلا لحظات، من رحم المعاناة والحزن والأسى ننزلق، عسانا نستقر هنيهات معدودة بجزر السعادة المهجورة في عمق أرواحنا. 

كاتب التدوينة: كوثر ابن عبد الوهاب

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

MTAYouth

منصة شبابية مستقلة متوجهة للفرد والمجتمع المغاربي والعربي، فضاء حر لنشر مدوناتكم ومقالاتكم وآرائكم، وصياغة محتوى شبابي راقي، سجل بالموقع ودون معنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى