يعيش المجتمع الجزائري حالة رعب، مست الكثير من العائلات ولم تستثني أي عائلة اللهم إلا هؤلاء الذين لا يملكون أطفالا أو لا يدركون بعد أن لهم أطفال، بعد أن بلغ مسامع الجزائريين انتحار خمسة أطفال من ولاية سطيف وبجاية، وربطت التقارير الأولية سبب الاقدام على الانتحار هو المشاركة في “لعبة الحوت الأزرق”.
اللعبة لها حكاية بدأت في روسيا مع شخص يدعي “بوديكين فيليب ” طالب علم النفس طرد من جامعته لابتكاره اللعبة في عام 2013 مع “F57″، واحدة من أسماء ما يسمى “مجموعة الموت” من الشبكة الاجتماعية فكونتاكتي، وقد تم إدانته من طرف القضاء الروسي بتهمة تحريض 16 فتاة على الانتحار، الغريب أنه أجاب بواحدة من الأفكار الخطيرة في المعالجة النفسية والاجتماعية وهي “الموت” المرادفة للمعنى الحقيقي وهو “القتل- التصفية الجسدية- التطهير” وهو ما أسماه:
“تنظيف المجتمع ممن ليس لهم قيمة بدفعهم إلى الانتحار”.
الحكاية لم تنتهي هنا، بل إنها انتشرت بشكل واسع ورهيب عبر العالم وفي نسخ مختلفة وبلغات العالم، وهنا يبدأ الخطر، وخاصة وأنها تستهدف المراهقين والأطفال أكثر من أي فئة أخرى من خلال إدخالهم في تجارب لمدة 50 يوما من الأذى الجسدي والنفسي، وعيش أيام من الرعب والخوف والاكتئاب تنتهي اللعبة بالدعوة إلى القيام بقتل نفسه من خلال القفز من مكان عالي أو الشنق، وكل هذا توجيهات من طرف مدراء اللعبة بمجموعة من الرسائل للمشاركين منها مهمات عبر الإنترنت، وفوقها يشترط السرية والكتمان، وهو الأمر الذي يسهل البلوغ إلى المطلوب في ظل سذاجة وبراءة ومرات غباء وحمق المراهق والطفل في سن مثل هذا، لتنتهي الحكاية بكارثة.
في الجزائر بدأت بالصدمة وأخبار انتحار متوالية لكن الجهات الرسمية منها الشرطة لم تعتبر بعد حالات التي وجد فيها الأطفال الـــ05 بأنها انتحار حتى استكمال التحقيقات، إلا أن وزير العدل حافظ الأختام صرح أنه حالة واحدة فقط من الحالات الانتحار لها علاقة بلعبة “الحوت الأزرق” في ظل العجز على حجب اللعبة في الجزائر، لم تتخلف وزيرة التربية الوطنية هي الأخرى على التصريح، الأولياء والقنوات الإعلامية وعلى رأسها “قناة النهار” التي لا تزال تخصص مساحات واسعة من وقتها للموضوع من سبر للآراء بلاطوهات وساعات النقاش ودعوات لمختلف المختصين وأخبار الحوت الأزرق على رأس الأخبار، في أكبر حملة توعوية لخطر هذه اللعبة.
جميل أن نوجه أنظار الأولياء والآباء والأمهات إلى ما يجب أن يعرفوه عن ألعاب أطفالهم وما مدى الخطر الكبير الذي يهدد الكثيرين، جميل أن يقف بكل مسؤولية الجميع حول ما يفعله الإنترنت في ظل غياب الرقابة، وأن ندق ناقوس الخطر، أن نرشد الأولياء إلى وجوب حماية أطفالنا من الأخطار التي تتهددهم غبر الإنترنت، وأن ليس كل الألعاب بريئة وتتناسب مع سنهم وفهمهم وتكوينهم، لكن أن نجعل من القضية أكبر من حقيقتها، ونغمض عيوننا على الأخطار الأخرى التي تتهدد الطفل الجزائري بشكل خاص والطفل المغاربي بشكل عام هو الجهل بعينه..
ذلك لأن عدد الأطفال الذين يملكون هواتف ذكية وإنترنت فيها أو في بيوتهم هم أقل بكثير جدا من هؤلاء الأطفال الذين يتهددهم الجوع والأمية والتسرب المدرسي، والمخدرات والحبوب المهلوسة والكحوليات..
لابد أن لا نغفل عن عدد الأطفال الذين يتخلون عن مقاعد الدراسة من أجل العمل سواء لإعالة عائلاتهم الفقيرة أو البحث عن مصروف مالي يقيهم الحاجة والطلب وتوفير ما يرونه ضروريا لحياتهم..، وأن نتعامل بجدية مع ملف الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي والاغتصاب في صمت، والأطفال الذين يتعرضون للعنف في بيوتهم وفي مدارسهم وفي شوارعهم بشكل دائم ومستمر لينتجوا لنا في المستقبل شبابا عنيفا في البيوت والمدارس والشوارع فهذا هو الخطر الأكبر..
لعبة الحوت الأزرق خطر وحقيقة لم تتأكد بعد من مدى حقيقتها وتأثيرها لبلوغ لحظة الانتحار، لكن ما يفعله الفقر والجوع والتسرب والمخدرات والجهل والتحرش والعنف حقائق مؤكدة ومثبتة إلى الحد عدم القدرة على إنكاره أو رفضه أو تجاهله، والتوعية والحماية من هذه المخاطر أولى وأسبق ما يحتاجه الطفل الجزائري والمغاربي من خطر لعبة اسمها “الحوت الأزرق”.