يوم الأحد الموافق لثالث عشر من شهر مايو، قد يكون يوما عاديا وبداية أسبوع جميلة، بعضنا ذاهب للعمل بكل ما يحمله من تفاءل أو تذمر، مجبر آخاك لا بطل، طلبة يربطون أحزمة المعلومات على امتحانات نهائية، ونساء يمشطن الشوارع تحضيرا لشهر رمضان، كل شيء سيمر بهدوء، حتى المذيع سيتمنى لنا يوما سعيد، صباح جميل، ومساء هادئ، فهم يولدون بصحبة هذه الكلمات، ولا تهمهم المصائب المجمعة التي تسقط فوق رأسك أو حتى رأسه.
لو خرج اليوم الأول الذي أنتج كل هذه النسخ لهمس لنا قائل: “سئمت من يومي المعاد في أجندتكم”، لكن لابد للنسخة العربية أن تترك بصمة لها، فالحزن علامة مسجلة في الأمم المتحدة، ولن نسمح لأي جنس سرقتها أو حتى تقليدها، نظل عرب الأسى والألم، سل عنا القنوات الإخبارية، والجرائد الورقية، فكلها بكاء حبري أو نواح صوتي، وحدها نشرات الأخبار ستعلمك بموعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فشكرا لها، ستتحصر لدقائق وتسمع مناديا يناديك للعشاء..
دعكتنا النكبات حتى أضحى الدم لا يخيفنا، والعويل لا يزعجنا، والمصائب لا ترفع ضغطنا، نحن الذين كُتب علينا أن نعيش تمزق الأوطان والحضارات، ونكون شهود عيان لكل الحروب والأزمات، نترحم على الأموات ببضع كلمات جافة، لا تحمل دمعة واحدة، ندعو لهم في صلاتنا بعد أن نكمل قوائم الأمنيات التي نحملها، وفي الأغلب بداخلها حلم مغادرة الوطن، ونمضي للنوم والضمير في ثلاجات حفظ الجثث منذ ولادة أمريكا وصهاينة.
لست بقارئة فنجان، ولا عالمة غيب، ولا حتى قارئة كف، ولا أجيد التنجيم، أنا التي تتوه في الزحام، لكن حفرت الأزمات العربية بداخلي يقين ردة الفعل، وخططت بعقلي كل السيناريوهات، سأخبرك الآن ما الذي سيحدث يوم الإثنين، قد أُخطأ في التفاصيل، في دمعة عربية أصيلة سقطت في الجزائر، أو حرقة قلب توسطت مصر، أو دعوة صادقة خرجت من الحرم المكي، غصت أصابت قلبا نظيف في لبنان، لكننا سنشترك في بعض الأفعال المتعارف عليها.
سنشجب ونشجب ونشجب، ثم نغضب ونغضب ونغضب، غضب إلكتروني لا يمكنه أن يغادر الحواسيب أو الهواتف، غضب السبابة والإبهام، دون أن نرفعه في عين الإحتلال، سنهددهم ونتوعدهم، ونرفع الكلمات والمنشورات مصوبة نحو صدورهم، كم أرعبنا الصهاينة بعبارة القدس عربية، سنزلزل الأرض تحت أقدامهم بكمية الهاشتاغات القديمة والحديثة والمخترعة، سنقفل السماء بصور القبة الذهبية، ونصعد الاحتجاج ثم نغير البروفيلات، والويل الويل لهم ونحن نقتحم حساب محدثهم الرسمي الذي يعرف عنا كل شيء افيخاي أدرعي لكننا سنرعبه بالشتم والسب ليبلغ جيشه أن الغضب الساطع آت، ثم يتكفل نخبة من العقلاء في تهدئتنا، ويخبروننا أن فلسطين ستتحرر مع اقتراب يوم القيامة، إذا فلنخلد إلى النوم الذي نجيده ونترك الأمر ليوم القيامة.
وحدها فلسطين الجميلة ستدفع الثمن في هذا اليوم، سيموت كل شاب رفض أن يعيش في جيل على جبينه وسمة عار القرن، ستزحف غزة فوق الأسلاك الشائكة، متمردة عن كل الحصارات، حاملة روحها عربونا للجهاد والكفاح، ستسمع زغاريد نسوة فقدن قطعة من أجسادهن، أم تودع ابنها، امراة تفقد زوجها، وحبيبة تنتظر وعدا في الجنة، وحدها فلسطين ستغسل كتب التاريخ، وتحذف القليل من الخذلان عنا، سيرتقي إلى السماء جمع من الشهداء، ويبقى في المستشفيات مشاريع أخرى لشهادة يعلمها رب الأرض، وتبقى القدس ليلتها تبكي صمتنا، تعاتب نومنا، وتحتضن شعبها كامراة فقدت عائلتها، أصابها اليتم ومات زوجها، وبقيت بين كلاب الصهاينة وحدها اسرائليين كانوا أم عربا انضموا.
سينتهي الجدال ونعود إلى أعمالنا، سأطل عليكم في موضوع آخر قد يكون عنوانه ليلة بزوغ الفرح، وننسى جميعا أن القدس التي بكينا من أجلها، قد تكتب في مقررات أبنائنا وأحفادنا أورشليم، ونمر على هذا الاسم مرور الكرام، ونتقبل الذل والهوان، ونتجه لأسئلة محلية، هل معجون الأسنان من المفطرات؟، هذا ما سنجده على القنوات في شهر رمضان.