الرواية جنس أدبي حديث، لاقى شعبية واسعة من قبل الجماهير، حتى أضحت الروايات اليوم هي أكثر الكتب قراءة وتداولا بين الشباب، ليس لبساطتها وسهولة تعبيرها فقط كما يتوهم الكثير، بل ربما على العكس من ذلك هناك روايات جد معقدة في لغتها وأحداثها، لكن ذلك لم يفقدها حيويتها، قد نتفق أو نختلف في الأسباب التي تجعل هذا الجنس الأدبي هو الأكثر تداولا بين الشباب، لكننا لن نختلف في كونها هوسَ كل مثقف اليوم.
يعمد الكثير من المفكرين والفلاسفة إلى طرح نظرياتهم ومذاهبهم الفلسفية عن طريق كتابة رواية، لأنهم بذلك ربما يضمنون وصول ما يسعون إليه لأكبر شريحة ممكنة، وفي نفس الوقت سيسهل على القراء فهم وتلقي تلك النظريات، بخلاف ما لو طرحت على شكل كتاب، فإنه بدون شك لن يقبل عليه أحد من غير المتخصصين، وهذا هو ما يفسر لنا ربما الإقبال الكثيف على روايات كونديرا مع أنه يعتبر تلميد فرويد وعزوف الكثيرين من غير المتخصصين على هذا الأخير..
أثناء الرواية لا يشعر القارىء وهو يتلقى تلك الرسائل، مهما كانت اجتماعية اقتصادية دينية سياسية، يكون همه منصبا على أحداث الرواية المشوقة، لكنه في نفس الآن يكون يتلقى رسائل، ويعتقدها، ربما لن ينتبه لذلك أثناء الانشغال بالقراءة، لكنه بعد مدة، وخاصة إذا كان مدمنا على جنس معين من الروايات، فإنه سيبدأ يدرك أن قناعاته بدأت تتغير، وأنه شيئا فشيئا بدأ يقتنع بتلك الأفكار التي كان يتلقاها..
الرواية أضحت اليوم قناة خطيرة لتمرير الرسائل والأفكار، لكننا إذا نظرنا إلى المبدعين العرب، فإننا سنصاب بالإحباط، ليس لأنهم لم يبدعوا في هذا الجنس، بل لأن جل الذين كتبوا في هذا الميدان هم تلاميذ الغربيين، أو ما وراء الضفة، وبالتالي فهم عندما كتبوا لم يحاولوا أن يلامسوا واقعهم، وأن يحاولوا معالجته من خلال مؤلفاتهم، بل اهتموا بتلك القضايا التي تلقوها من غيرهم، والذين كانوا ملزمين بسبب ولائهم لمن علموهم بإيصال تلك السفسطات إلى مجتمعاتهم.
هناك روايتان أتذكر أني قرأتهما منذ مدة، أجاد كاتباهما في صياغة حبكتهما، وبالتالي في إيصال فكرة ورسالة مهمة، حاول الكاتبان من خلال عملهما أن يوصلا لجمهورهما أن الديانتان اليهودية والمسيحية، ليسا ديانتان قائمتان على العنف، وإنما هما ديانتان سلميتان، لكن العنف غالبا ما يكون وراءه منظمة متشددة تنتمي إلى نفس الدين، ومن خلال أعمالها تشوه صورته، هذه مشكلة في الحقيقة ليست خاصة بالديانة اليهودية والنصرانية وإنما هي مشكلة مستعصية تواجه كل منتمين لأي دين..
داون براون، من خلال عمله “الرمز المفقود”، عندما تقرأ هذا العمل لدان براون، ستجد أن هناك رسالة واحدة يريد إيصالها الكاتب هي أن الديانة المسيحية ديانة بريئة من كل ما نسب إليها، لكن الكاتب صاغ ذلك عبر استعراض مجموعة من الأحداث التي تبدو للقراء بمثابة براهين على ما يقوله الكاتب، ولذك لن يجد في الآخر إلا أن يذعن لما قال الكاتب،
بول سوسمان، وروايته “آخر أسرار الهيكل”، هذا العمل الذي طبع على غلافه الكتاب الذي منع في اإسرائيل، رغم أن مؤلفه، يتبنى فكرة السلام مع إسرائيل، هذا العمل قد أقول إنه عمل خطير وكاتبه يوصل من خلاله رسائل حول القضية الفلسطينة، هذه القضية التي كتب حولها الكثير، لكن الكاتب وكسابقه، له رسالة واحدة أن عملية السلام ممكنة بين العرب وإسرائيل، لأن الدين اليهودي دين مسالم.
غرضي هنا ليس استعراض أحداث الروايتين، وإنما التنبيه على خطورة هذا الجنس الأدبي، وأهميته في نفس الآن، لكننا نجد أن العلماء المسلمين، يستبعدون هذا من قاموسهم الإصلاحي، بل وربما ينبذونه، إذا حاولنا البحث عن عالم مسلم يؤلف رواية، ويحاول من خلالها أن يبث أفكاره الإصلاحية، فإننا لن نجد إلا أسماء منبوذة في الساحة الأدبية لا يطلع إليها أحد، لأنهم لم يولوا هذا الجنس الأهمية المطلوبة، وبالتالي لن يحاولوا الإبداع فيه، يطالعنا على رأس هؤلاء اسم نجيب الكيلاني، عندما تذهب لأي مكتبة تعنى بالكتب الدينية ستجد أعماله مرصوصة عنده، لكن هذا الأديب بغض النظر هل أجاد أم أخفق، فإن اسمه وحده لا يكفي، إضافة إلى أنها كل أعماله ذات طابع ديني مما سيجعل الكثير ربما ينفرون منها.
لِمَ نحن متشبثون بتلك الوسائل التقليدية من أجل تبليغ الدعوة، كل من أراد أن يقول قال الله وقال الرسول، لابد وأن يلبس جلبابا وبرنصا، وأن يعتلي منبرا حتى يرى الناس أمامه وكأن على رؤوسهم الطير، ثم يبدأ يحدث بنفس الروتين الممل، هذا الأسلوب غالبا ما يكون سبب نفور الكثيرين من المساجد.
لِمَ لا نترك المنابر، ليس التخلي عنها وإنما المنابر لها دورها، ونعكف على هذه الوسائل الحديثة، التي من خلالها يمكن إيصال الأفكار بكل سهولة، تأليف الروايات، إنتاج الأفلام، كتابة القصة، لم تكن الدعوة حكرا على المنابر والمساجد، بل هذه رسالة الله، يجب إيصالها بأي طريقة أتيحت، لكننا ربما لم نستيقظ بعد من تلك السنين من النوم التي أصابتنا.