منذ خلق آدم وحواء.. خُلقت في قلب كلٍ منهما مشاعر وأحاسيس وعاطفة يستخدمها كلاهما لبعض، حيث أنه لا يوجد زواج ناجح دون مشاعر حب صادقة، ولا نرى أما تعطف على ولدها دون مشاعرها العطوفة..
ولم تُخلق العبرات لغسل العيون فقط، بل وجدت لتجسد المشاعر المعنوية بصيغة مادية ملموسة، فقال حمزة الأعمى للحسن البصري عندما سمع صوت بكائه وهو يصلي: إنك تكثر من البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك.. ومن موجبات الرحمة أن تُعمل مشاعرك وأحاسيسك مع جوارحك.
المشاعر روضة من رياض الجنة المترعة بكل المقاييس الروحية التي تُحاكي ترانيم الجسد والقلب، تنشئ في خلايا القلب الروحية، وتعيش صديقةً مع فطرة الإنسان الذي فُطر على الحب منذ نشأته الأولى.
والشيء الذي لا يفسره إلا خالق تلك المشاعر، بأننا نستعملها دون إرادتنا، فإن صدق التعبير بها يكفي لغسل القلب من موبقات الحياة وعثرات النفس..
نرجع قليلاً إلى الوراء إلى ما يسمى بالمشاعر النبيلة، والأحاسيس القيمة العظيمة والروحانية الشاعرية.. حتى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وصفت حبها لسيد الخلق ومعلم الأمة وأخبرتهم أنه كان يطعهما بيده، وأنه أحياناً يطعمها نصف اللقمة ويأكل نصفها الآخر، وأنها إذا شربتْ من الإناء، أخذه وأداره ووضع فمه حيث وضعتْ فمها وشرب، كانت تلك طريقته ليخبرها بصدق مشاعره..
ليس هو فقط عليه السلام من عبر عن مشاعره، لكنه هو فقط من أجاد التعبير بأنبل الكلام وأرق الأفعال وأكثرها طهارةً وقيمة، مترفعاً عن الكلمات الدنيئة والأفعال الرخيصة التي أصبحت بريستيجاً في وقتنا الراهن.
يطوي التاريخ صفحاته القديمة، تاركاً تحت التراب جثث هامدة لأصحاب قلوب عظيمة، امتلئت بالحب والعطف والحنان وغيرها من المشاعر المزدانة بالدفء واللدانة، تلك المشاعر كالعادات والتقاليد التي يتوارثها الشعوب، ومن ميزاتها أنها توجد لدى الجميع، كان فقيراً أم غني، أو سقيماً أم صحيح.
يقول الرومي إننا لسنا بحاجة للبحث عن الحب خارج أنفسنا، بل كل ما علينا عمله هو إزالة العقبات التي تبعدنا عن الحب في داخلنا، فلو هممنا بإزالة تلك العقبات صغيرةً كانت أم كبيرة، ستمنحنا طريقاً جوهرياً إلى قلوبنا، وسنجد مشاعرنا قابعة على شكل شعاع نور يمتد في جوارحنا، وسنتمكن بإيجاد الصديق.
لكن توجد في هذا العالم صداقات قد تبدو غير مفهومة للأشخاص العاديين لكنها في حقيقة الأمر تشكل قنوات تفضي إلى حكمة وبصيرة أعمق، فمشاعر الصداقة الحقيقية مع جرعة من تلك المشاعر الطاهرة النقية تُقوي حبل العلاقة وتَشُد بنيانه، تلك المشاعر الخالية من الشهوة والمصلحة تَخلُقُ حباً أفلاطونياً سامياً بين الصديقين إن كانا من جنس واحد، أو حتى من جنسين مختلفين.
هل من وسيلة لفهم ما معنى المشاعر؟ أو للسيطرة عليها؟
المشاعر لا يمكن تفسيرها، ولا يمكن إلا معايشتها واختبارها، ولا يمكن حتى التحكم بها كما قلنا سابقاً، فكانت هِبةٌ عظيمة سكبها الله في قلوب جميع البشرية وبما أن المشاعر لا يمكن تفسيرها فهي تفسر كل شيء.
كاتب التدوينة: زاهر شكير