كلنا صالحون وطالحون، لنا جميعا وجوها خفية غابرة لا يعلمها إلا هو عز وجل، فمهما بلغ الشر الذي فينا إلا أننا جبلنا على الخير وفطرنا عليه -الحمد لله-.
صرخة الحق داخلنا لا تأبى إلا أن تتكلم وتحررنا من قيود التجاهل والغفلة، فدوامة الحياة جرفتنا إليها حتى صرنا ننسى لما خلقنا وأننا لم نخلق عبثاَ، أصبحنا نحارب حتى نرقى إلى الفانية وتهنا في بحورها تناسينا مبادئنا فقيمنا، لكن مع كل هذا ننتظر فرصة تجعلنا أنقياء أتقياء..
فرحمة من رحماته تتجلى في شهر عظيم؛ إِنه رمضان الفرصة السانحة المانحة للتغيير والرقي بنا كعباد صالحين، والانسلاخ من الشر والغفلة التي ضربت على القلوب، فغيبتها عن حقيقتها وهي عبادة الخالق سبحانه، نافذة الصفاء والعطاء والرحمات المنزلة فتحت على مصرعيها لمن يريد هل من مزيد، شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
ثلاثون قرب، ذكر، عبادة، صلاة..، ثلاثون عبدا ربانيا صالحا مجيبنا ربه إذا دعاه، في نفحاته الطيبة وطياته المباركة يجمعنا على مائدة واحدة، يقربنا من أرحامنا، يجعلنا نرتاح في كنف الحياة الحقة في حسن الجوار والكلام الطيب في الصدقة في السخاء والعطاء، يجعل القلوب ألين أرقى، يشعرنا أننا لهاته الأيام وجب أن نعود إلى استقامتنا وصدقنا ومنهجنا السليم كعباد أتقياء مخلصين، الروح فيه تسمو فتهجر كل القبيح وتكبح النفس، فيه يعاد حسابنا مع أنفسنا، فنعانق حروف القرآن كل خمس في اليوم ووردك فيه يزيد، وتتدبر الكلام المنزل وتسرح في عظم الآيات، وتقف عند النواهي والأوامر والقصص البواهر..
فتفيض الدموع ندماً على ذنوب أبعدتنا عن خالقنا وتتزايد تنهيدات الحسرة على ضياع الوقت في ما لا يرضيه، نعم يطهر الذنوب فالقلوب، جعل لنا الشهر لينثر غبار الأيام على قلوبنا لروح سامية وقلب سليم وعهد جديد..
كان السلف يفرحون بقدومه ويحمدون الله على إِدراكه، قال الرسول الكريم لصحابته: أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله – عز وجل – عليكم صيامه، تُفتَح فيه أبواب السماء، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم وتُغَلُّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حرم..
رمضان يشعرك بكرم الله المغدق علينا من أمن، أكل، شرب..، في عالم غزته الحروب وشردت فيه الأسر، فترى نعمه العظيمة فيلهج اللسان بالحمد، لنتفكر ونتدبر في النعم، حتى نحس ونستشعر حال ومعاناة الفقراء، نحن نجوع وندري متى وقت الأكل، لكن غيرنا لا، هباتك اللامتناهية تزيد من تقزيمي في كون دوري فيه أسمى وأنبل وأنا لاهية عنك وتقصيري المتزايد يخجلني يا الله..
فاللهم بحق هاته الأيام المفترجة غفرانك، رحمتك، قربك، ورضاك فليس بعد الرضى إلا الجنة..