ثقافةمعرفة

مفهوم السيادة في فلسفة هيغل

وحدة الدولة الجوهرية (الفردية) حسب هيغل تتجلى في مثالية لحظاتها -ولا أقول أجزائها- بحيث أن هذه الوحدة تشكل سيادة الدولة، والجانب الداخلي من هذه السيادة نجده يتشكل من السلطات الجزئية للنظام الداخلي، وكذا وظائف الدولة التي تعتمد معيار الكفاءة في استقطاب موظفيها، بيد أن في عصور الإقطاع يصف هيغل تجلي السيادة هنا في حالة مواجهة الدول بعضها البعض، لكن داخليا في ركن الملك والدولة نفسها لم تكن هناك سيادة فعلية، غير سيادة الآراء الشخصية والنزوات العابرة.

هيغل.. سيادة الدولة

      قد يقول البعض: إن السيادة تعني الاستبداد: «غير أن الاستبداد يعني أية حالة يختفي فيها القانون، وحيث تعتبر الإرادة في حد ذاتها سواء أكانت إرادة الملك أو إرادة جماعة من الغوغاء، قانونا»([1]).

بيد أن هيغل يجعل من «الحكومة الدستورية الشرعية» مأوى اللحظة المثالية التي تشكل سيادة الدولة، إذ أن هذه الحكومة تجعل من المجالات والوظائف الجزئية تعتمد وتتحدد بناء على الكل.

       هذه المثالية تظهر في حالتين عند هيغل: في وقت السلام، بحيث تكون غاية المجالات والوظائف تحقيق حاجاتها الخاصة، وبدون أن تشعر تجد نفسها تساهم في الحفاظ على الكل، وأحيانا يفرض عليها خدمة الكل في حالة تدخل السلطة العليا، أما في وقت الشدة، ينجمع الأمر كله في التصور الفردي للسيادة، حيث تصبح التضحيةُ مشروعةً.

       والحق أن السيادة تظهر إلى الوجود كذاتية مجردة من الإرادة يقول هيغل، بحيث تتضمن الوجه الفردي للدولة؛ نعني به القرار النهائي المتعين في شخص الملك، بشرط اعتماد دستور ينبني على العقلانية.

       والحال أن فكرة الإرادة: «تمتص في ذاتها الفردية، جميع الجزئيات… [لتقول أنا أريد] فهي بقوله «أنا أريد» تتخذ قرارها»([2]).

فضلا عن هذا شخصية الدولة عند هيغل لا تكون محققة إلا في شخص واحد يعبر عن الفكرة الشاملة، وهو الملك، بيد أن ما يدعى «بالشخصية الاعتبارية» يوجد على نحو مجرد لا يبلغ مرتبة الوجود الحقيق مثل «شخص الملك».

       ألمح هيغل إلى صعوبة فهم فكرة «الملك» انطلاقا من منهج الفكر الانعكاسي، الذي يعتمد على الاستنباط، بيد أن: «تصور الملكية هو بالضبط تصور شيء لا يستنبط، بل ينشأ بذاته على نحو خالص»([3]). ويشبه هيغل هذا الأمر بوضع الملك على أساس سلطة «الحق الإلهي»، لكن بشرط أن لا تقف إرادة الملك ضد إرادة الشعب.

هيغل.. سيادة الشعب

         في هذا السياق يأتي هيغل للحديث عن «سيادة الشعب»، وتظهر هذه السيادة في حالة مواجهة شعوب أخرى، بشرط أن يكون لها حاكم وحكومة.

إذ ذكر هيغل في كتابه «فلسفة الحق» الفيلسوف السويسري جان جاك روسو، لحديثه عن سيادة الشعب خارج دائرة الملكية، وبدون الترابط مع الكلي؛ أي أنه لم تعد هناك دولة، وأمسى النظام في هيئة جماهير غير منظمة.

هذا ما وصفه الأستاذ عبد المنعم مجاهد في قوله: «لقد كان هيجل الذي جعل من قراءة الصحف صلاة صباحه اليومية مشبعا باحلام الثورة الفرنسية التي ترفع شعار الحرية والتي عاصرها شابا، غير انه لم يكن مشبعا اطلاقا بالعنصر الغوغائي فيها واستسلامها لببغائية الجماهير»([4]).

      هذا فضلا عن غياب خصائص الكلي المنظم تنظيما عضويا، إذ أن هذه الخصائص (النقابة، السيادة، السلطة العامة…) هي ما تجعل الشعب يظهر بطريقة عامة، وتصبح السيادة على حد قول هيغل، هي شخصية الكل في شخص الملك، بشرط أن تكون في إطار فكرة الدولة التي تطورت بالكامل.

هنا، نجد قولا فحواه أن هيغل: «يفضل النظام الملكي ولهذا يحشر الفكرة حشراً في اللحظة الموضوعية للجدل وهو يوهم بأنه يستنبطها…

لكن كل ما استنبطه فعلاً هو ضرورة وجود فرد واحد على رأس الدولة. وذلك بالطبع يتفق تماماً مع النظام الجمهوري بقدر اتفاقه مع النظام الملكي سواء بسواء»([5]).

      يضيف هيغل أن وجود أفراد على رأس الدولة أمر ضروري، ويكتمل بوجود قرار واحد من الحاكم، لكن في واقع أن السلطات غير متمايزة، هذا القرار سيكون عارضا، مما يترك المجال للقدر. وطبيعة الحاكم: «بوصفه فرداً موجودا بالفعل، ولأنه موجود فهو هناك أعني حاضرا أمام الحواس وهو بذلك مباشر. ومن ثم فالملك هو ببساطة ممثل الطبيعة»([6]). نعني به: «تحول الفكرة الشاملة المطلقة إلى وجود»([7]).

وهنا، تتجلى وحدة الفكر الشامل والوجود الذي لم يعقله البعض، فكانت النتيجة تمزق الدولة.

هيغل.. فكرة «جلالة الملك»

      هنا، سيعالج هيغل فكرة «جلالة الملك»؛ إذ يقول أن ما يُكًوٍنُ هذه الفكرة، هي إرادة الملك غير المدعومة، ومن تم ستكون النزوة عاجزة أمامه (هذا في ما يخص المنهج النظري للفكرة).

الفكرة هنا تتضمن أن يصبح الملك ملكاً بالميراث، وذلك لتفادي الانقسام وحرب الفرق، لكن هيغل يجعل هذا الفعل مجرد نتيجة؛ إذ الأصل أن العرش: «مباشرة غير مدعومة الأساس، وجوانبه نهائية، ونحن بذلك نقيمه لا على أساس فكرة الدولة المحايثة فيها، وإنما على شيء خارجي من ذاته»([8]).

      أما الحديث عن «الملكية بالانتخاب» بدعوى اختيار الناس لمن يثقون فيه، فهي حسب هيغل تقوم بتفسير الإرادة على أنها نزوة، أو رأي عارض لأغلبية من الناس، بيد أن هذه الإرادة تتعارض مع الحياة الأخلاقية.

      اللحظة الثانية من سلطة الملك، يظهرها هيغل عبر إحداث «مجلس استشاري» أعلى، يكون أعضاؤه في علاقة مباشرة مع الملك؛ بحيث تكون له سلطة عزلهم واختيارهم. وتتجلى مهمتهم حسب هيغل في مناقشة أسس القرار الذي يتخذه الملك، وكذا القوانين التي تتعلق به، مع إشارة إلى تحملهم المسؤولية الكاملة أمام الحكومة.

أما الجانب الموضوعي من القرار فقد أحاله هيغل إلى «المجالس الاستشارية». بيد أن: «شخصية صاحب الجلالة باعتبارها الذاتية الأخيرة في اتخاذ القرار هي فوق أية مسؤولية بالنسبة لأعمال الحكومة»([9]).

       أما اللحظة الكلية، فإنها ترتبط في جانبها الموضوعي بالدستور العقلاني والقانون، وفي جانبها الذاتي توجد في ضمير الحاكم؛ بحيث أن دعمه وضمان وجوده يحصل بدعم كل شخص لنفسه.

خلاصة

       وبالجملة، الضامن لسلطة التاج في رأي هيغل، هو العنصر الذاتي في الكائن الحي، وكذا العنصر الموضوعي المتجسد في المؤسسات التي تتصف بالاعتماد المتبادل: «لأن الحرية العامة تعني الدستور العقلي، في حين أن وراثة العرش أو سلطة التاج…هي لحظة متضمنة في الفكرة الشاملة لتلك السلطة»([10]).


[1] هيغل، فلسفة الحق، ترجمة إ.ع.إ، مكتبة مدبولي، 1996. ص 541.

[2] المصدر نفسه، ص 544.

[3] المصدر نفسه، ص 545.

[4] م.ع.م، هيغل قلعة الحرية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، 2007، ط3. ص 47.

[5] ولتر ستيس، فلسفة الروح (المجلد الثاني من فلسفة هيغل)، ترجمة إ.ع.إ، دار التوير للطباعة والنشر والتوزيع، 2005، ط3. ص 118.

[6] المصدر نفسه، ص 117.

[7] هيغل، فلسفة الحق، ترجمة إ.ع.إ، مكتبة مدبولي، 1996، ص 550.

[8] المصدر نفسه، ص 552.

[9] المصدر نفسه، ص 555.

[10] المصدر نفسه، ص 556.

أظهر المزيد

حمزة الودان

طالب باحث في الفلسفة والفكر المعاصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
marsbahisEscortSaatlik escortManisa escortGümüşhane escortfethiye escortzlotcasibombets10bettilt girişcasibom girişslot siteleribetmatikdeneme bonusubonus veren sitelerjojobetfethiye escortfethiye escortbbets10deneme bonusudeneme bonusu veren sitelerhholiganbetcasibomonwinparabetdeneme bonusu veren sitelermarsbahis giriştaraftarium24fethiye escortfethiye escort
Etimesgut evden eve nakliyatankara ofis taşımacılığıEtimesgut evden eve nakliyattuzla evden eve nakliyatçankaya evden eve nakliyatmersin evden eve nakliyatçekici ankaraAntalya Çitseo çalışmasıtuzla evden eve nakliyatmaldives online casinoankara evden eve nakliyatoto çekiciEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyattuzla asansörlü nakliyatpolatlı evden eve nakliyatMedyumniğde evden eve nakliyatyenimahalle evden eve nakliyateskişehir uydu servisigoogle adspubg mobile ucankara evden eve nakliyattuzla nakliyatüsküdar evden eve nakliyatMapsodunpazarı emlakAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlareskişehir web sitesikocaeli evden eve nakliyatAntika mobilya alanlarantika eşya alan yerlerantika eşya satmakseo fiyatlarıMetafizikMedyumbmw repair edmontonAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlarAntika Eşya alanlarAntika Eşya alanlarantikaİzmir Medyumweb sitesi yapımıteknede eğlencereplika saatreplika saatreplika saatkumar siteleriAntika mobilya alanlarAntika mobilya alanlardijital danışmanlıkcin musallatımarsbahis girişmarsbahis girişmarsbahis girişmarsbahis girişcasibom giriş twitter