لعنة الله على غدر الزمان، بعدما كنت أشمئز من شرب الجعة لا أملك اليوم ما أشتري به أي شراب.
خرجت الجملة من فم محمد، ممزوجة بدماء ملوثة بالسرطان، كما يخرج جنين من بطن أم تجرّب الولادة لأول مرّة. تاه في خياله يطارد ذكرى أول قنينة تلقف منها اللعنة. ذلك المدير الشبيه بِكرة البولينغ كان السبب فيما وصل إليه، بعدما فرض عليه تذوق كأس ويسكي، ليغرق مذّاك فيما هو عليه اليوم.
الكأس المشؤوم كان تذكرة دخوله الجحيم، اليد التي رمت به إلى أحضان مزابل المجتمع مقصيا كإنفصالي داخل دولة. لعن المدير بكل ما جمعه خلال اِلتحافه اللاشيء مع المشردين واحتكاكه بالعالم المنسي من معجم سب وقذف، لولا المدير لما فقد عمله بعد شهور من السكر والعربدة في جميع أقسام الإدارة، قبل الطلاق النهائي.
فقد بعدها مباشرة زوجته بعد أن أذاقها زقوم العيش، سكر مستمر، تكسير وسب وشتم، الشوهة مع الجيران والأقارب، الاغتصاب وتحمل رائحة الفم الكريهة. بلغ السيل الزبى وفاض الكأس، وانتهى به الأمر مطلقاً، جُرّد بعدها من تعويضات العمل بسبب الإكراه البدني.
تحوّل إلى حامية نفايات تعيش على الذكريات، تحمل عن المجتمع نفاياته. غرق في “كنتُ” كشاعر مرتزق يحن إلى أزمنة الخلفاء والنقود الذهبية، كعاهرة دمر الزمان ماخُورها بعدما ابتُليت الحرفة بنوع جديد يذهب إلى الزبون عوض الانتظار في بيت الدعارة لعل السماء تمطر أملاً.
تذكر بحسرة آخر مرة شاهد زوجته، كان يوماً أكثر شؤماً من شؤم أيامه الاعتيادية، كبة شعر مجعد كالسدر تخرج منها بعض الملامح السوداء بالأوساخ، أسمال بالية تظهر بعض نقط من جسمه، حذاء رياضي لم يبق منه إلا الاسم فقط.
اصطدمت به بينما يقتات على ذرات زمن عالقات في أماكن زارها عندما كان يُحترم بسبب سُلمه الإداري. تأملته ملياً، تبحث فيه عنه، تساءلت في نفسها بعدما كَلت ولم تَعثر حتى على عبارة عالقة بين تجاعيد صنعتها الأيام في وجهه، أو بين آثار أسنان شاهدة على ثغر يشع بياضا مر من هناك قبل العدوان الغاشم: أين هو ذلك الزوج الذي شاركته الفراش يوماً ما وسط كومة الأزبال هذه؟ أين ذلك الموظف الذي طالما افتخرتُ به أمام الصديق والعدو وسط الشبه إنسان الواقف أمامي؟ لقد أصبح مجرد كيس بلاستيكي مهترئ تتقاذفه الريح من الهامش إلى الهامش.
تنفست عميقاً بعدما خلُصت إلى أنها فشلت في إيجاده فيه، تألمت لحاله، ودَت لو كان مجرد كابوس تفتح عينيها ليتبخر، تيقنت أنها تبحث عن قطرة ماء حلوة وسط محيط بلا جدوى.
كاتب التدوينة: عبد الجليل ولد حموية