منذ أن وطئت قدمي الجامعة وأنا أطرح على نفسي هذا التساؤل لماذا يحول الجدال الفكري إلى حلبة لصراع إيديولوجي؟ منذ أول درس في الجامعة تعلمت أن الحوار والفكر هم طوق نجاة المثقفين من صراع المراهقين فكريا. تعلمت أيضا أن السلام مهم ولكن حرية التعبير أهم ما لم تتعد على حريات الآخرين..
كل هذا سقط عندما رأيت واقع وطني الجزائر وواقع الكثير من البلدان الإسلامية اليوم. ففي الجزائر الصراع تحول من فكري إيديولوجي إلى صراع هوية مما انجر عنه عودة القبلية الجاهلية والتفاخر بالأنساب الذي فجر قضية جهوية.
الجزائر البلد الذي اتحد كل شبابه أيام الثورة من مسلمين وغير مسلمين تحت راية الحرية، اليوم يتقاتل أحفادهم عن من الأفضل؟ الجزائر التي أنجبت العلماء والمفكرين أصبحت اليوم تصدر أبنائها وبناتها للخارج حتى يفيدوا غيرهم؛ “وإن كانت الجزائر تسكن فينا ونحن لسنا مطالبين بأن نسكن فيها” -حفيظ دراجي-، لكن هذا لا يخفي حسرة الكثير على ما يحدث في أرض الشهداء والعباقرة من هجرة الأدمغة…
فلو اتحد الجميع تحت راية النهضة بكل معانيها السامية وبكل رقيها، ولو اجتمعت كل الطوائف والمذاهب، كل الإيديولوجيات والأحزاب، كل وطني محب لبلده غيور عليه. لو اجتمعوا على كلمة واحدة هي الجزائر ونسوا كل اختلافاتهم الفكرية، ألن نكون في واقع آخر؟ ألم يحن وقت وقف الصراع العلماني السلفي والإخواني السلفي؟ ألم يحن وقت وقف الجدال حول من الأفضل أنا أم أنت؟ وإن كان الإنسان أنانيا بطبعه ولكن هذا لا يبرر عندما تكون المصلحة العامة في خطر.
قد أصبح اليوم حلم كل جزائري وأظنه كذلك لأغلب المسلمين أن يضمنوا قوت يومهم. أليس عيبا أن يكون هذا حلمنا والله هو الرزاق؟
أتمنى وإن كانت الأماني لا تغير من الواقع في شيء، أن يأتي يوم ويتحد الجميع تحت راية نهضة لأمة طال انتظار عودتها. حان الوقت لطي الخلافات الفكرية والتفكير بجدية لمستقبل أفضل لأمة قال الله عنها، أنها خير أمة أخرجت للناس. وحان الوقت لمحاربة الجهوية التي صارت سرطان يصعب استئصاله بسبب انتشار الجراثيم في جسد الوطن.
كاتب التدوينة: عماد الدين حدون