كلنا هشون من الداخل، منكسرون كقطع زجاج مهشم. إياك وأن تصدق التماسك والصلابة التي توحي بهما قاماتنا وخطواتنا الثابتة، ولأول مرة في حياتك حاول ألا تصدق ما تراه عيناك، أعرف مدى صعوبة الأمر، “أن تشك في عينيك”..
ستقول لي “إن كل شيء يمكن أن يكذب إلا العين فهي أصدق ما يملك الإنسان” وكنت سأومئ برأسي إيجابا لما قلت ولكني تذكرت أن العين ولو أن لها سلطة على قلب الإنسان ستظل دائما تحت سيطرته، صدق العين لن يصمد طويلا أمام خبث ومكر الإنسان، سيحاول الإنسان بشتى الطرق أن يغريها ويحرف مسارها عن اتجاه الحقيقة..
إن كل واحد منا يتنافس على أن يبدو سعيدا، مرتاح البال وكأن السعادة وراحة البال واجب إنساني يجب أن نؤديه أو رسالة نبيلة يجب أن نوصلها للناس. ثمة فجوة كبيرة بين ما نبدو عليه وما نحن بالفعل عليه، بين ظاهرنا وباطننا، بين حقيقتنا والحقيقة التي رسمناها لنتكيف مع ظروفنا الحياتية..
أنت لا تملك أدنى فكرة عن الجهد الهائل الذي يبذله شخص يرسم ابتسامة على شفتيه وهو غارق في وحل الألم من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، إنه يشبه سيارة تسير عكس السير في وسط الزحمة، بتلك الابتسامة يوهم المسكين نفسه بالانتصار على نفسه، والأدهى من ذلك أنه يعلم في قرارة نفسه أن هذا الصراع الذي يعيشه لا انتصار ولا خسارة فيه، لأن كل أطرافه تحقق انتصارات وخسارات على حد سواء وبصورة شبه متساوية، أي أن كفة الانتصار غالبا ما تكون مساوية لكفة الخسارة..
كنت أغبط صديقتي على بساطة ويسر تعاملها مع الحياة ومجريات الأحداث فيها، كانت دائما تقول: “الإنسان هو الي بيبسط نفسه، الي عايز يبقى تعيس حيبقى تعيس والي عايز يبقى مبسوط حيبقى مبسوط، في النهاية الإنسان هو الي بيبسط نفسه وهو الي بيتعس نفسه كمان”.. رغم سطحية الكلام ولا أعني أنه تافه ولكن فيه تجاهل صريح لتفاوت طبائع النفس البشرية وقدراتها المحدودة، إلا أنه كلام لذيذ، يعطي الأمل لمن يلهث وراء السعادة ولم يظفر بها بعد..
كل منشوراتها على الفيسبوك توحي بأنها سعيدة ومتفائلة وفي كل الأوقات من المستحيل أن يكتشف المرء ما إذا كانت هذه الفتاة تمر بنكسة في حياتها أو بظروف صعبة لأنها لا تتحدث إلا عن الجانب المضيء من الحياة وتدافع عنه بشراسة، تضحك دائما ولكن لابد أن يتوارى شيء ما خلف تلك الضحكات في كل الأوقات..
تفاجأت عندما كلمتني قبل أيام وهي منهارة، لم أسمع بكاءها لأنني كنت أتحدث معها عبر دردشة الواتساب ولكنني رأيت دموعها من خلال كلماتها المرتجفة؛ فشعرت أنها تكاد تختنق من فرط الألم، اكتشفت لاحقا بأن هذا الألم ليس وليد اللحظة، كان مدفونا منذ فترة، يا لإخلاصها الأبله للحياة! لم ترض حتى في أشد حالاتها بؤسا أن تكشف عن وجه الحياة المظلم الذي رأته بأم عينيها ولو عن طريق منشور واحد على الفيسبوك!
هل هو خوف من الحياة؟ تخاف مثلا أن تكشفَ لها الحياة عن وجوه أكثر قبحا من الذي قد رأته؟..
إن كل شيء يبدو طبيعيا، جميلا، براقا رغم كل ما تكابده أرواحنا من شقاء وعناء.. نحاول بأفضل ما عندنا أن نظهر بأحسن حال، حتى ولو كان هذا الحال نقيض حالنا الحقيقي تماما، نخون دموع الأمس بضحكة في الصباح، نظن بأن تلك الضحكة ستبدد بؤسنا..
صحيح أنه بعد تلك الضحكة يتناثر البؤس كشظايا ولكن سرعان ما تتلاحم قطع الشظايا فيبعث بؤسنا من جديد بنفس الهيئة وبنفس قسوة الملامح..
ما هو المطلوب الآن؟ هل نمتنع عن الضحك كلما واجهنا مصيبة في حياتنا؟ هل ننوح ونصرخ ونلطم حتى تكون الصورة الداخلية مطابقة لنظيرتها الخارجية فلا نغدو منافقين؟ هذا غير معقول!
اعترف أيها القارئ أن هذا ما كان يدور في خلجك وأنت تقرأ هذه الكلمات، ولأكون صريحة معك هذا ما دار في خلجي للتو عندما قرأتها أنا أيضا.. هذا بالفعل غير معقول!