هنا موريتانيا.. نموذج من العالم الثالث

هنا موريتانيا حيث تحكم سلطة العقليات البائدة ورواسب التقاليد وتغيب سلطة المنطق والعقل، هنا حيث يغالط المجتمع العالم بإظهار المرأة على لوحات زائفة من الحقوق والأدوار الخادعة..

هنا يتم اغتصاب وحرق وذبح النساء والفتيات بأبشع طرق على مرأى ومسمع الجميع..

نعم هنا موريتانيا؛ حيث تُكفّرُ كل من طالبت بحقّها، وتُرغم على المروق من دين الله مروق السهم من الرمية، قوم جعلوا من أنفسهم محاكما للتفتيش عن نوايا الناس وخبايا السرائر، معتقدين -يا للعجب- أنهم ينصرون الله ورسوله بهكذا أفعال وما لفّ لفّها من تقوّل على الناس بالباطل، وزجهم في دائرة خارج حيز الأخلاق والمثُل، لا لشيء إلاّ أن يقولوا بما يرونه فاسدا من تقاليد، كسبتْ بفعل التعظيم ثوبَ المقدسْ.. فأصبح الثائر عليها مارقا من الدين، ومنبوذا من المجتمع وفاقدا لأسس المُثُل والأخلاق، وعارا على ذويه، حتى أن الأخيرين (ذويه) يبالغون معذورين، في ردّة فعلهم ورضوخهم للمجتمع ودعائمه التقليدية، فيتبرؤون منه نهارا جهارا أحيانا، ويضغطون عليه ويسومونه سوء المعاملة ما وسعهم ذلك في أحايين أخرى.

هنا لا سلطة لحق ولا لمنطق ولا دين، أمام سلطة اجتماعية، يتنحى جميع المذكور أمامها (ممارساتيا) فلا يبقى منه إلا القشور وما تزدان به الخطابات ولا ينعكس على الواقع..

هنا المثالية الشفهية والشفهية فقط، قول دون فعل.

هنا الكهل الذي يُحدثك عن حدود الإيخاء والتكامل التي كانت مرسومة بين بلال والصحابة، وبين جليبيب والنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نفس الكهل لا يجد مشكلةً ولا تحرّجا، في ممارسة شنعاء من القول والفعل، ضد أي كان بسبب سواد جلده، أو ضيق ذات يده، أو عدم علوّ نسبه..

مع العلم أن النسب على هذه الروابي زائف في أكثر أساسه، ومُنتحل، بفعل حقبة خَلَتْ سيطر فيها القوي فأثرى تاريخه بالزّخرف، ومُنع فيها الضعيف من إنشاء تاريخ لسالفيه..

هنا حرّفت المرأة عن مسارها التاريخي، والديني، فقوبلت بالجحود، مع تضحياتها الجسام، على مر التاريخ البشري قاطبة، والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص، فتحولت من حامية، للنبي يوم أحد، ومقتحمة لحصن مسيلمة، يوم اليمامة، ومرشدة للفاروق بتوجيهاتها على أيام الخلافة الراشدة، إلى عبء ثقيل، ونكرة منبوذة، لا تُراد لغير الفراش، وكلّ ذلك يجري تحت ستار ديني، يقوم على ليّ أعناق النصوص، وتأويلها تأويلا، يخدم السلطانية، والتحكمية. ويبعدُ كل البعد عن الحقيقة، وما كانت عليه الأوضاع في الحقب المباركة.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version