تكاثرت الأحاديث، أخيراً، عن هارفي وينستين الذي اتهمته ممثلات معروفات كثيرات باستغلال نفوذه منتجاً كبيراً في هوليوود، للتحرّش بهن والاعتداء عليهن وممارسة الضغوط لإجبارهن على إقامة علاقات جنسية معه، ما أدى إلى نشوء حملة عالمية واسعة بعنوان “وأنا أيضا”…
هذا وكانت هناك فضيحة كبيرة قد سبقت هذه بسنوات، حين اتُّهم المخرج البولوني المعروف، رومان بولانسكي، باغتصاب قاصرة في سنّ عشر سنوات، وذلك قبل أن يصبح عدد اللواتي رفعن بحقه دعوى اغتصاب، خمساً.
أخيراً، فضحت هند العياري، وهي السلفية السابقة التي تحولت إلى العلمانية، وصارت رئيسة جمعية نسائية تعنى بحقوق المرأة، مغتصبها، وهو الأكاديمي الإسلامي طارق رمضان، وكانت قد أسمته “الزبير” في كتابها “اخترت أن أكون حرّة” (2006)، محتذية بذلك حذو آلاف النساء اللاتي صرّحن علانيةً عن اعتداءات جنسية، أو تحرّشات تعرّضن لها ضمن حملة “أنا أيضاً” العالمية.
وفي شهر يناير/ كانون الثاني 2018 ، نشرت بولا كينسكي (60 عاماً)، وهي الابنة البكر للممثل الألماني الراحل كلاوز كينسكي، والذي اقترن اسمه بالمخرج العظيم فيرنر هرتزوغ، كتاباً بعنوان، “من فم الأطفال” (دار زوركامب)، وفيه تروي طريق الجلجلة التي أجبرت على السير فيها منذ الخامسة وحتى التاسعة عشرة من عمرها، برفقة أبيها، الممثل العبقري الذي اشتهر بأدائه أهم الأدوار الصعبة، بقدر ما عُرف بنوبات جنونه في أثناء التصوير وفي الحياة العامة على السواء. “كان في البيت، كما كان في أفلامه.. حتى النهاية، كنت أشعر بأني أموت في كل لحظة. وفي النهاية، كان يرسلني كي أشتري واقيا ذكريا للمرة المقبلة. عندما أصبحت في التاسعة عشرة من العمر، أخبرت والدتي بكل شيء. لم تأتِ بأي رد فعل، لكني لم أر والدي بعد ذاك أبدا”…
تطلّق الوالدان وهي في الثالثة. وخلال 15 عاما وهذه الطفلة، ثم القاصر، تتعرّض للاغتصاب من والدها. لم تعترف قبل الآن ولم تخبر الآخرين بما فعله بها، لأنها كانت تخاف. تخاف منه إذ كان قد حذّرها ومنعها من الكلام لأيٍّ كان، وقال لها إنه سيُسجن لو فعلت. يصحبها إلى أكبر الفنادق وأفخر المطاعم، يشتري لها أجمل الثياب، ثم يُعدمها في كل مرةٍ ينام معها. “ما عاد بإمكاني أن أسمع: “والدك عبقريّ! لقد أحببته دائما”، في حين “كنت أشعر بالقرف وبالخواء.. هو لم يشعر بالندم على فعلته أبدا”، تضيف.
في سيرته الذاتية التي نُشرت عام 1975 “أنا مجنون بفمك القرمزي”، يفاخر كلاوس كينسكي الذي تزوج مرات ثلاثا بأنه جامع “ألف امرأة”، وبتفضيله القاصرات على البالغات، كما أنه يروي اغتصابه مراهقةً في سن الخامسة عشرة، وكيف وضع يده على فمها، ورفع صوت التلفزيون كي يغطي على صراخها. مع نفاد الطبعة الأولى، أعيدت طباعة الكتاب عام 1991 بعنوان جديد هو “أحتاج الحبّ”.
ثم صدرت مذكراته، وفيها روى عن طفولته البائسة ومراهقته الصعبة، وعن علاقاتٍ منحرفةٍ بأمه وأخته.. كل هذا وألمانيا تغضّ الطرف عن شذوذ ممثلها الرهيب، والعالم يصفّق لأداء هذا العبقري الذي لا يُضاهى، ويتندّر بأخباره “الغريبة” التي تحكي عن غرابة شخصيته وجموحها.
وإن كان كلاوس كينسكي عبقريا فعلا كممثّل، وهذا باعتراف الجميع، ومجرما كوالد، باعتراف ابنتيه بولا وأنستازيا وابنه نيكولا، فهو كان شخصا معذّبا ومريضا نفسيا بحق، وهو ما أظهره أرشيف أحد المستشفيات في برلين، حيث أُدخل كلاوس شابا في الخمسينيات وبقي ثلاثة أيام، وأنشئ له ملف طبي يتضمّن فحوصا، وتقارير الأطباء تثبت أنه كان مصاباً بفصام الشخصية، وهو ما تمّ التستّر عليه بضغوط من زوجته الثالثة.
حين قُبض على المخرج البولوني المعروف، رومان بولانسكي، في أميركا بتهمة اغتصاب قاصرٍ في شبابه، قامت الدنيا في فرنسا ولم تقعد، فهو المستقرّ فيها وحامل جنسيتها، الذي هبّ الفنانون والمثقفون فيها، وفي أنحاء العالم، تضامنا معه ودفاعا عنه. هذا ما لم يحصل مع وينستين، أو مع كيفن ترايسي، أو داستين هوفمان وسواهم، وهم ليسوا أقلّ موهبةً أو أهميةً من بولانسكي. فهل تكون القارة الأوروبية أكثر تسامحا مع الفنانين الشاذّين مما هي القارة الأميركية، وهل يحقّ للفنانين، في الأذية، ما لا يحقّ لغيرهم؟