يعود علينا رمضان، شهر الخير والبركة، شهر الجماعة والمحبة، شهر التقوى والروحانيات.
تتزين أرواحنا للقائه، وتعود للذاكرة رائحة رمضان التي تعبق بذكرياتنا، لاجتماع العائلة القياسي على مائدة واحدة، لأطيب الطعام والشراب والحلويات الفاخرة، لجلسات الذكر والتواشيح والأناشيد الدينية، للاجتماع قبل وأثناء وبعد صلاة التراويح، لصلة الرحم وود القربى وحملات الصلح والمسامحات التي تعم كل البيوت.
الآن، ترانا نجلس وحدنا، لا يُجالسنا إلا كوب ماء وعدة صحون طعام مسبق الصنع، فهل يا ترى عاد رمضان؟ أم أنّ الله قد رفعه قبل أن يرفع القرآن؟
جاء الشهر الكريم ولكن الخير والبركة لم تأتِ..
فالخير قد أكلته الحكومة بإجراءاتها الرشيدة الأخيرة، والبركة طارت منذ أن أصبحت لقمة العيش اليومية هي الهدف الأسمى لسواد الشعب العربي.
جاء الشهر الكريم ولكن الجماعة والمحبة لم تأتِ.
فالجماعة قد فرّقتها اختلافات الفقهاء منذ قبل إعلان الشهر الكريم.
تفرّقت الأمّة بين معلن عن بداية الشهر الكريم وبين مؤجل لها، فاختلفت الدول الإسلامية فيما بينها -كعادتها كل سنة- وانتقل الخلاف ليطال المهجر لتعلن ثلاث جهات إسلامية في إيطاليا على سبيل المثال ثلاث تواريخ مختلفة لبدء الصوم.
تفرّقت الأمة بين مخوّن لهذا الطرف وتابع لذاك.، بين شيعي وسني وظاهري وقرآني.
بين قوائم تحريم وتجريم طالت الكل، كل شيء وكل أحد. بين شيوخ القتل والتكفير والكراهية وشيوخ الإعلانات والفراخ والسبوبة الدينية.
والمحبة تاهت بين كنة وحماة وبين أهل فرّقتهم بعد المسافات. بين أصحاب فرّقهم اختلافات طالت يوم الصوم ووقت الإفطار وأشياء أخرى.
جاء الشهر الكريم ولكن التقوى والروحانيات لم تأتِ.
فقد تحوّل الشهر الكريم لشهر نوم وأكل وتلفزيون، وتسلق المنبر تجّار وممثلين وراقصين وسَفَلة.
صامت البطون ولكن كل الحواس الأخرى قد اُطلقت، وتحول الشيوخ لطباخين ولاعبي الكرة لممثلين والكتاب لشيوخ دعوة.
اختلط الحابل بالنابل وبتنا نفتقد رمضان بضجيجه وروحانيته وتقاليده، فهل قال السلف أن رمضان سيُرفع قبل رفع القرآن؟ أم أننا فعلاً أصبحنا مستحاثات قديمة في زمن لم نعد نملك القدرة على التواصل والتكيّف معه؟