مدوناتمدونات أدبية

هواجس حلم على قائمة الانتظار

كلنا كنا ننتظر على أحر من الجمر، غير أني وحدي كنت أسترق النظر إليها بغية الظفر برؤية تلك العلامات المؤذنة بقدومها، كم كنت أصاب بالإحباط عندما أعود خائب الظن!، لكن لم يطل أمد خيباتي حتى ظهرت إرهاصات توذن بميلاد فجر جديد، تيقنت من أن القادم لن يكون إلا هي!، كان إحساسا قويا يعتريني بأن القادم لن يكون إلا بنتًا، طالما كنت أظل أردد مع نفسي: كيف يعقل أن يكون حظي فقط مع هؤلاء الذكور، كنت في كل مرة أشعر بأن شيئا ما ينقصني، لم أكن أرتاح لرتابة الحياة دون سماع صوتها، كنت لا أجد طعما لحياتي داخل هذا البيت بدون روح مرحة تشاركني فيه، إنها الأخت التي تلطف بابتسامتها قساوة الحياة..

قبيل الفجر كان الألم يشتد أكثر، كلما كانت تباريج الصباح تلوح في الأفق، إلا وكانت تنطفئ شموع في الأرض حتى يخلفها قنديل منير، كانت رحلتها صعبة، ربما لأن القدر كان لا يريد لها القدوم، لكنها كانت عنيدة مثل أخيها، أبت إلا أن تحل ضيفة علينا ولو لوقت قصير، بعد صرخات متقطعة من الألم، أعقبتها صرخة ضعيفة، كانت تلك الصرخة الضعيفة إذانا بقدوم حياة جديدة، لا أعرف لِمَ يصرخ الأطفال عندما يأتون إلى الحياة، ربما لأنهم يدركون تعاستها بمجرد أن يلفح وجوههم هواؤها الرطب!، من يدري؟..

كانت بمجرد أن تنظر إليها العين، إلا وتدرك ملامحًا ملائكية بادية على محياها، نظرت إليها وهي لا زالت لم تفتح عينيها بعد، كانت تتأرجح يمنة ويسرة وكأنها أدركت سر الفخ الذي وقعت فيه بمجرد قدومها، حاولت أن أمسك يديها الصغيرتين، غير أنني لم أستطع، كانت لا زالت قابضة يديها، كان إحمرار غريب يعتلي وجهها، غير أنني كنت أرى هالة من النور تحيط به وتزينه، التفت إليها فبادرتني بالسؤال:

ماذا سنسميها؟

لم تكن سوى إجابة واحدة تلوح في ذهني، حيث كنت أحتفظ بها من زمان بعيد، يسرى.. منذ قدمت إلى هذه الحياة ولم أجدها، قررت أن أضع لها اسما، كنت أعلم أنها ستكون ممتنة على اختياري لهذا الاسم لها.

كم نكون مغرورين ونحن صغارا، نعتقد أن الحياة ستتوقف عند ذاك الحد، غير أننا لا نزال نكابد عذاباتها حتى ندرك، حدة مضي وقتها وكأنه سكاكين تقتطع من أعمارنا كل يوم طرفا، كنت أتملاها وهي تكبر، أتمنى لو تظل عند ذاك السن، كم كانت بريئة ولطيفة، حركاتها، شغبها، ضحكاتها، التي كانت تشغل كل من يراها، لم أكن أستغرب لانبهار كل زوارنا بها، كنت أدرك أنها ليست من طينة باقية البنات، كانت سلوكاتها غريبة وهي صغيرة، كل من يراها ينعتها بأنها غريبة الأطوار.

لا أعرف لِمَ يصرخ الأطفال عندما يأتون إلى الحياة، ربما لأنهم يدركون تعاستها بمجرد أن يلفح وجوههم هواؤها الرطب!، من يدري؟..

كنت أول من أمسك بيديها وقادها إلى المدرسة، وكنت حريصًا جدًا على الذهاب للإتيان بها في كل مرة بعدما تنهي، لم أستطع أن أتحكم في تصرفاتي الغريبة تجاهها، ربما لأني كنت خائفا من أن تتخلى عني يوما ما!، وأنا الذي انتظرتها سنون طوالاً..

أحيانا كنت أخشى أن تتغير مشاعرها تجاهي، كانت قبل أن تطلب شيئا تجده حاضرًا عندها، وعندما كان يغضب عليها أحد مهما يكون، كنت أخوض معه حربا ضروسا، كانوا يستغربون هم الآخرون لشعوري المزيد فيه هذا، لكنني كنت لا أعير لكل ما يقولون أي اهتمام.

لم أدعها تشتغل يوما ما، ولا أن ترافق باقي البنات من أقرانها، كان البعض ينعتني بالمغرور ، وآخرون بأنني مختل، لم يكن كل ذلك يثير شيئا في داخلي!، حرصت على أن أجلب لها قصص الأطفال وقراءتها معها بانتظام عندما تنام، كنت أحاول أن أجعلها تعشق ما أحب، غير أنها فاجأتني، عندما وجدت نفسي مرغمًا على اختياراتها، كنت أقرأ معها قصص الأطفال الصغار، وأشاهد معها التلفاز، أرافقها إلى الحديقة.. عندما كانت تأمرني لم أكن أملك القدرة لأن أجيب بالنفي..

عندما أنهت المرحلة الابتدائية، احتد النقاش بيني وبينهم، عندما قرروا أن يمنعوها من إكمال الدراسة، رغم خوفي عليها أكثر منهم، إلا أنني كنت أدرك أن أكبر خطر يترصدها والذي يجب محاربته، هو الجهل، خالفت المألوف، وخيبت ظن كل من كانوا يحسنونه بي، ألحقتها بالمرحلة الإعدادية، رغم أنها لم تكن من أولئك المتفوقات، إلا أنها كانت تمتلك مواهب متعددة، كانت تجيد العزف على الناي المصنوع من الخيزران، كم طربنا أنا وهي، وكأننا مجانين.

كانت أسعد لحظاتي عندما تقرر أن تسمعني شيئا من كتاباتها، بداية كنت فقط أستمع لها لأجبر خاطرها، كانت كلما أسمعتني شيئا من كتاباتها إلا وأبادرها بالقول جميل، استمري، رائع.. كانت تذهب فرحة إلى مكتبتي فتقف بجانب الركن المخصص لها، جعلت عن قصد كتيباتها في مكتبتي، كنت أريدها أن تعيش مع الكتاب حتى لا تتخذ غيره خليلا ورفيقًا..

كبرت مكتبتها، وتغيرت ملامحها، رجح عقلها ومتن أسلوبها، وقويت بنيتها، أتمت دراستها في كلية الآداب، تخرجت وظلت كباقي أبناء هذا الوطن التعيس بدون شغل، لكن الطموح الذي زرعته فيها منذ صغرها، لم يدعها تقف هنا، كانت تمتلك موهبة أدبية راقية، حُبب إليها العزلة مثلي، فصارت تلازم الكتاب أضحى هو رفيقها ومتنفسها، كانت تعمل لإصدار رواية جديدة، علها تستطيع أن ترسم فيها ملامح الحياة التي تحلم بها مثلي، والتي حرمنا منها معا.

أعذروني إن أنا جعلتكم تعيشون معي هواجس هذا الحلم الجميل، فأنا حلمت كثيرا، وخططت، وقدرت، غير أن من كنت أنتظرها لم تأت بعد، لا أعرف هل لا زال وقت لانتظارها، حتى أعيش معها هذا الحلم الجميل، أم ترى أن القضاء قد قال كلمته.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

سفيان الغانمي

طالب، مهتم بالشؤون الفكرية والدينية، مهووس بقراءة الكتب الأدبية والثقافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
marsbahisEscortSaatlik escortManisa escortGümüşhane escortfethiye escortEsenyurt escortmasözmasözantalya escortbetturkeydeneme bonusu veren sitelercasibombets10casibompusulabetbetmatik twitterbaywinGrandpashabetcasibomholiganbetbettilt girişcasibom girişslot sitelerisekabetbetmatikbetkanyonsekabetholiganbetdeneme bonususlot sitelericanlı casino sitelericasino siteleribonus veren sitelerataşehir escortjojobetbetsatGrandpashacasibomjojobetGrandpashaholiganbetpinbahiscasibomGrandpashaholiganbetjojobetpinbahiscasibomjojobetholiganbetbetsatpinbahiscasibom giriş twitterümraniye escortmarsbahiscasibom girişcasibom girişcasibomcasibom girişcasibom girişcasibom girişBetwoon
Etimesgut evden eve nakliyatankara ofis taşımacılığıeskişehir emlakEtimesgut evden eve nakliyattuzla evden eve nakliyatmamak evden eve nakliyathayır lokmasıçankaya evden eve nakliyatmersin evden eve nakliyatçekici ankaraAntalya Çitseo çalışmasıtuzla evden eve nakliyatmaldives online casinoankara evden eve nakliyatoto çekiciEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyattuzla asansörlü nakliyatpolatlı evden eve nakliyatMedyumniğde evden eve nakliyatyenimahalle evden eve nakliyateskişehir uydu servisigoogle adspubg mobile ucbatman evden eve nakliyatankara evden eve nakliyattuzla nakliyatüsküdar evden eve nakliyatMapsodunpazarı emlakcasibom girişgebze evden eve nakliyatAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlariptv satın aleskişehir web sitesidextools trending botdextools trendingdextools bottrending bottrending dextoolstrending dextools botkocaeli evden eve nakliyatAntika mobilya alanlarantika eşya alan yerlerantika eşya satmakseo fiyatlarıcasibom giriş twitterdex trending botdextools trending botdextool trending servicedextools trending servicecmc trending botcoinmarketcap trending botdextools trendingtrending bothow to trending on dextoolsdextools volume botcasibom giriş twittercasibom giriş twittercasibom giriş twittercasibom giriş twittertrending on dextoolsfront runner botfront run botfront running botmev botdex sniper botpancakeswap botpancakeswap sniper botsolana sniper botsol sniper botsolana botMetafizikmarsbahismarsbahismarsbahismarsbahismarsbahismarsbahiscasibom giriş twittercasibom giriş twittercasibom giriş twittersms onaysanal numara almadextools trending