وتوترنا الدائم سببه أننا لا نجد من يحنو علينا أو يعانقنا

ﻋﻦ ﺃبي ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ ﺭَﺿِﻲ ﺍﻟﻠَّﻬﻢ ﻋَﻨْﻬﻢ ﻗَﺎﻝَ: “ﻗَﺒَّﻞَ ﺭَﺳُﻮﻝُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻬﻢ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﺍﻟْﺤَﺴَﻦَ ﺑْﻦَ ﻋَﻠِﻲٍّ ﻭَﻋِﻨْﺪَﻩُ ﺍﻷﻗْﺮَﻉُ ﺑْﻦُ ﺣَﺎﺑِﺲٍ ﺍﻟﺘَّﻤِﻴﻤِﻲُّ ﺟَﺎﻟِﺴًﺎ ﻓَﻘَﺎﻝَ: ﺍﻷَﻗْﺮَﻉُ ﺇِﻥَّ ﻟِﻲ ﻋَﺸَﺮَﺓً ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻮَﻟَﺪِ ﻣَﺎ ﻗَﺒَّﻠْﺖُ ﻣِﻨْﻬُﻢْ ﺃَﺣَﺪًﺍ، ﻓَﻨَﻈَﺮَ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺭَﺳُﻮﻝُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻬﻢ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﺛُﻢَّ ﻗَﺎﻝَ: ﻣَﻦْ ﻻ ﻳَﺮْﺣَﻢُ ﻻ ﻳُﺮْﺣَﻢُ.”

ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔِ ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙِ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔَ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ: ‏”ﺃﺭﺃﻳﺖَ ﺇﻥ ﻛﺎﻥَ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﺰﻉَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ َﻣﻦ ﻗﻠﺒِﻚ ﻓﻤﺎ ﺫﻧﺒﻲ؟”..

هكذا هي حقيقةُ معظمِنا؛ بُخل شديد وإجحافٌ بالمشاعر والتعبير عن الحب نعيشه وكأنّ البوحَ صار عندنا عيب، فتجدنا لا نفصحُ عن حبّنا لأحبتنا ولا نعبر بأي طريقةٍ لفظيةٍ أو جسديةٍ عنه ابتداء منَ العوائلِ ومروراً بالأصدقاء وغيرهم ممن نحب..

فالعوائلُ عندنا لا تعلم بأنّ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺑﺤﺎﺟﺔٍ ﺇﻟﻰ ﺣﻨﺎﻥِ ﺃﻣّﻪ ﻭﺃﺑﻴﻪِ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻠﻴﺐ ﺃﻣﻪ نفسه وقد أثبتتِ الدراساتُ أن ﺍﻟﺤَﻀﻦَ ﻳؤﺛﺮ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺼﺎﺏِ ﻭﻧﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﻧﺸﺎﻃﻪ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ، ﻭﻳﺴﺎﻋﺪُ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﺠﺴﺪﻱ معهُ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰِ ﺷﻌﻮﺭﻩِ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﻭﺗﻨﺸﻴﻂِ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺑﺘﻜﺎﺭ، وﺃﺛﺒﺘﺖ الدراسات أيضا ﺃﻥ ﺍﻟﺤَﻀﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻋﺔ ذلك ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺗﺴﺎﻋﺪ ملاطفته ﻭﻓﻘﺎ ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﻧﺸﺮﺗﻪ ﻣﺠﻠﺔ “ﺇﻟﺘﺮﻥ” ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻬﺪﺋﺔ أعصابه ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﻃﻮﻳﻞ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﻌﻄﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻠﻤﺦ ﺑﺎﻻﺳﺘﺮﺧﺎﺀ.

هذا وبعد أن يبلغَ ذلك الطفل سن الرشد في مجتمعاتنا فمنَ النادرِ أن يحظى كما في الطفولة من أبويه بقبلةٍ أو احتضان أو حتى تربيتةٍ على الكتف وذلك بالرغم مما لهذه الحركاتِ والتواصل الجسدي من أهمية عظيمة على اتزان المراهقين الانفعالي وصحتهم الجسدية والنفسية، وكأن القُبل والعناق حكر على الأطفال فقط وذلك أي تقبيل الكبار من الأولاد هو ما كان يفعلهُ النبيّ صلّى الله عليه وسلم أيضاً مع بناته، فعن ﻋﺎﺋﺸﺔَ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ: ‏(ﻣَﺎ ﺭَﺃَﻳْﺖُ ﺃَﺣَﺪًﺍ ﻛَﺎﻥَ ﺃَﺷْﺒَﻪَ ﺳَﻤْﺘًﺎ ﻭَﻫَﺪْﻳًﺎ ﻭَﺩَﻟًّﺎ ﻣِﻦْ ﻓَﺎﻃِﻤَﺔَ ﻛَﺮَّﻡَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻭَﺟْﻬَﻬَﺎ ﻛَﺎﻧَﺖْ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﺧَﻠَﺖْ ﻋَﻠَﻴْﻪ (أي النبي صلى الله عليه وسلم )ِ ﻗَﺎﻡَ ﺇِﻟَﻴْﻬَﺎ ﻓَﺄَﺧَﺬَ ﺑِﻴَﺪِﻫَﺎ، ﻭَﻗَﺒَّﻠَﻬَﺎ، ﻭَﺃَﺟْﻠَﺴَﻬَﺎ ﻓِﻲ ﻣَﺠْﻠِﺴِﻪِ، ﻭَﻛَﺎﻥَ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﺧَﻞَ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﻗَﺎﻣَﺖْ ﺇِﻟَﻴْﻪِ، ﻓَﺄَﺧَﺬَﺕْ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﻓَﻘَﺒَّﻠَﺘْﻪُ، ﻭَﺃَﺟْﻠَﺴَﺘْﻪُ ﻓِﻲ ﻣَﺠْﻠِﺴِﻬَﺎ‏).

ولا يقتصرُ هذا الجفاف في مجتمعاتنا على الوالدين تجاه الأبناء فحسب بل يتعداه إلى الأخوة فيما بينهم وخصوصا إن كان هؤلاءِ الأخوة من جنسين مختلفين وليسوا من جنس واحد، فأنا أعرفُ أشخاصا ما قبّلوا أخواتهم “الإناث” في حياتهم حتى وإن عادوا أو عدن هنّ من سفر وكأني بهم يرون ذلك الأمر عيبا أو حراما.

حتى الأصدقاء نبخل عليهم نحن بعواطفنا وأخصّ هنا الرجال منّا بينما للأمانة حال الإناث أفضل، فالسيدات في مجتمعاتنا حتى وإن لم تمرّ فترة طويلة على آخر لقاءٍ بينهن تجدهن يتعانقن ويتبادلن القبل، وذلك ربما سببه إدراك النساء بأنهن أكثر حاجة منّا للعواطف والمشاعر وتبادلها.

لو قارننا شعوبنا بالشعوب الأخرى من هذهِ الناحيةِ لوجدنا حال تلك الشعوب أفضلَ بكثيرٍ منا فهم لا يستحون أبداً من البوح وإبداء مشاعرهم والتعبير بكل قوة عنها والاحتضان والقبل.. أمر لابد منه عندهم سواء بالنسبة لأفراد العائلة أو على مستوى الأصدقاء أو الأقارب.

وأود أن أهمس هنا في آذان العازبين من شبابنا وأخبرهم بأن المتزوجين أفضل حالاً منهم من حيث الاستقرار الانفعالي العاطفي والرزانة واتخاذ القرارات وذلك سببه والفضل فيه يعود إلى أن نقص الحنان الذي يفتقر إليه العازب يجده المتزوج مع شريكه وذلك من أٰهم الأسباب التي يجب أن تدعونا إلى المسارعة في الزواج للحصول على الاستقرار المنشود على جميع الأصعدة العاطفية منها والانفعالية والاجتماعية.

وكل ما ذكر من عواطف وبوح بها وطرق التعبير عنها يندرج تحت مسمى الرّحمة ومن لا يرحم كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لن يُرحم، والراحمون يرحمهم الرحمن، والشعوب التي ضربناها مثالاً وبالرغم من كونها ليست مسلمة فهي رحيمة بعوائلها وأصدقائها أولا ثم شعوبها إن تولت أمر تلك الشعوب..، بينما القسوة التي عندنا تنتقل من الإطارات الضيقة إلى إطارات أوسع وأحيانا العكس، فأحيانا نحن نقسو على أنفسنا حين لا نجد من نقسو عليه.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version