قامت الدنيا علي ولم تقعد بسبب تدوينة كتبتها منذ أيام ونشرتها، وكان عنوانها “إذا أردت امرأة تقبل يديك فلا تتزوج مثقفة“.. واستدللت على وجوب طاعة المرأة لزوجها وتقديره في تلك المقالة بآيات وأحاديث كثيرة.
وإن كنا قد سلمنا بأن واحدا من تلك الأحاديث كان فيه ضعف (كما ذكر البعض في مداخلاتهم) فقد ﺭﺧﺺ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺠﻮﺍﺯ ﺭﻭﺍﻳﺔ الأحاديث الضعيفة شريطة أن يكون ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻭﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ.
وأي خير هو أفضل من أن يسود في المجتمع ترابط أسري وتسلسل في الاحترام والتقدير يبدأ بالزوجين لبعضيهما وينتهي بالأولاد كل للآخر حسب عمره ودوره.
هذا وما أنكرت أنا في مقالي ذاك ولا أنكر أبدا بأن التقدير يجب أن يكون متبادلا بين الطرفين وليس من طرف الزوجة فقط وأن الزوج يجب أن يكون أهلا لذلك الاحترام أولا وأنه لا مشكلة أبدا بل يستحب أن يقبل هو يديها أيضا وذلك الأمر لن يزيده إلا رفعة وشهامة.
وأتساءل في هذا الموضع إن كانت آيات وأحاديث استحباب طاعة الزوجة لزوجها قد فعلت ببعض السيدات ما فعلته وأن البعض منهن رأين فيها ما لا يناسب هذا العصر فما رأيهن في جواز ضرب الزوج لزوجته إن هي ترفعت عن طاعته أو عصته بالقول أو الفعل؛ وذلك ما ورد صراحة في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء حيث قال الله سبحانه وتعالى فيها: “ﻭَﺍﻟﻠَّﺎﺗِﻲ ﺗَﺨَﺎﻓُﻮﻥَ ﻧُﺸُﻮﺯَﻫُﻦَّ ﻓَﻌِﻈُﻮﻫُﻦَّ ﻭَﺍﻫْﺠُﺮُﻭﻫُﻦَّ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻤَﻀَﺎﺟِﻊِ ﻭَﺍﺿْﺮِﺑُﻮﻫُﻦَّ ﻓَﺈِﻥْ ﺃَﻃَﻌْﻨَﻜُﻢْ ﻓَﻠَﺎ ﺗَﺒْﻐُﻮﺍ ﻋَﻠَﻴْﻬِﻦَّ ﺳَﺒِﻴﻠًﺎ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻛَﺎﻥَ ﻋَﻠِﻴًّﺎ ﻛَﺒِﻴﺮًﺍ”.. ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ (34)
والناشز هي المرأة المتكبرة على زوجها والممتنعة عن أداء حقوقه، العاصية له. والجميع يعلم أن هذه الآية ﻫﻲ ﺁﻳﺔ ﻣُﺤﻜَﻤﺔ، ﺣُﻜﻤُﻬﺎ ﻧﺎﻓﺬٌ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ أي أنها لا تختص بزمان دون آخر.
ولا يفهم بأن الضرب الوارد في هذه الآية هو الضرب المبرح أو أن الضرب مستحب في ديننا بل إن الضرب لا يكون إلا للضرورة القصوى وله ضوابط وشروط كثيرة ربما لا يتسع المجال هنا لذكرها. فلما لا تروقها بعض السيدات ويرين فيها ما لا يناسب هذا العصر.
وما لنا لا تروقنا بعض أحكام الشريعة وهل نريد دينا نفصله على مقاسنا مثلا حتى صار البعض يخشى ذكر مثل هذه الآيات خوفا من إزعاج بعض السيدات والتنفير أو أن يفهم بأن الدين عسر، وذلك تماما كحالنا مع الجهاد اليوم في أغلب الدول المسلمة عموما والعربية منها خصوصا والتي صار يأخذ فيها الجهاد معنى الإرهاب أو الغلظة وصار مجرد التلفظ به عيبا وجرما كبيرا وقد يؤدي ذكره بالمرء إلى التهلكة أو يكون فيه خطرا حقيقيا على حياته.
وأكثر الذين لا تروقهم تلك الأحكام هم رجال أو نساء محسوبون على المثقفين ذكرتهم في مقالي السابق وقصدت بهم أشخاصا (ربما أكون أنا نفسي منهم) حصلوا على شهادات واعتبروها وحدها مقياسا للثقافة في حين لم يتم أحد منهم في حياته قراءة كتاب، أو يتذكر أن المثقف الحقيقي هو القارئ المدمن على الكتب الذي يعرف بأن الثقافة في التعريف هي معرفة بعض الشيء عن كل شيء لا الاكتفاء باختصاصه والحصول على شهادة فيه.
والمثقف المزيف هو الذي نسي أن واجبنا الأول كمثقفين مسلمين هو تعلم العلوم الشرعية والحصول على ثقافة كافية فيها أما علوم الدنيا فهي تأتي شئنا أم أبينا في المرتبة الثانية رغم أهميتها العظيمة.
ديننا جميل كما هو نتقبله وندافع عنه حتى ولو غيرنا رفضه وأخص بذلك المثقفين والمثقفات منا والذين قسم كبير منهم في المغترب لا ينبغي أن يستحي منه أو يخجل من أحكامه حتى وإن خالفت تلك الأحكام بعض القوانين الوضعية أو لم تعجب البعض.