وقفت والدهشة على ناصية قلمي تراقبني، تعاتبني السطور بربك لِمَ تبكي تغني المواجع ولحنها آهاتي ووصلات حزني وأنا تائهة كيف أبدأ قولي وكيف أنهي..
رمقت خيوط الفجر ألم يحن وقتك بعد! لِمَ التغلي؟
أجوب المساءات ومرافئ النجوم وأروقة الغياب لأرى إن كان هناك يقبع ظلي.. أريد ظلي أريد العبث بوجعي ومراقبتي حين أصرخ حين أبتسم حين أغفو سهواً وأنا غارقة في بحر دمعي..
ماذا لو تحققت أمنيتي؟ ماذا لو تواطئ على تحقيقها الكون؟ ماذا لو رأيت الرحيل عين تتلاقى وعيني وما رسالتي له وأنا لا أجيد لغة العيون وتخنق العبرة فصاحتي وسطوة قلمي..
ما شعورك أيها الغياب وفي حاناتك يقيم قلبي شريدا منهكاً منتشياً بخيباته وحسراته تتقاذفه المآسي يمنة ويسرة.. وأنا هنا وحيدة تحت سطوة عقلي أتجرع المنطق والرضا أسفاً وقلة حيلة..
ما عاد أمري بيدي وفوق غربتي غربة وبين أزقة الانتماء أزهقت وطني وتيممت بدمائه وتوسدت ثراه والتحفت بسماه وغادرت وزادي حفنة من أوراق الخريف وبعض من قصاصات الورق الملون وقطعة خبز صنعتها أمي.. ثم رحلت في عجالة.. لم أجد لها كفناً مناسب أواريها به سوا وطني وبقيت يتيمة الحياة مضرجة ببركان صمتي وثورة الانتقام التي تتغذى على روحي وإرادتي..
غابت أمي؛ ذهبت حيث لا أعلم.. مكاناً لا يشبه منزل جارتنا ولا سوق حينا.. لا أعلم حتى كيف يبدو..
ليتني روح في عالم الأرواح ليتني دعوة تصل إليها عوداً أخضر تشعر به أو نسمة ربيع أؤنس وحشتها.. ليت موتي اختيار لأخترتك يا أمي لسكنت رفاتك وتقاسمت تنهيداتك..
أمي؛ ما الحياة سواك ما الفرح ما الدمع بل ما الربيع وكنت أنت ألوانه.. ما المواسم سوى روتين ممل يذكرني دوماً بغيابك ويذيقني ألوان عذابه كلما لاح طيفك بصمت..
صورتك الجامدة وصوتك الساكن هما ثورتي وحروفي التي لا تسعفها حروف الأبجدية..
أيتها النائمة طويلاً.. سلاماً يطوفك وحول قطوفك يتعبد ويكبر ويصلي.. سلاماً يغشاه نورك فينصهر بين ثناياكِ.. سلاماً يعانق طهر فؤادك فيتجلى آية تلازمني في حياتي أراها تسبقني الخطى لتلوح لي بابتسامتك التي يكسوها الوقار..
أريد نوما بلا استيقاظ أريد حلماً كلما أرهقني الاشتياق وأرقتني الوحدة.. لا تبتعدي كثيرا فأنا سأبقى طفلة جائعة حتى وأنا أتناول الطعام.. خرقاء مبعثرة الهوية والهوى.. أريد نوماً بلا استيقاظ فأنا منذ رحيلك فاليقظة نائم..