خواطر أدبيةمدونات أدبية

وَهَجُ البِدَاياتِ


كم تنتظر الأم طفلها الأول وكم تهفو للنظرة الأولى له، تتلهف شوقا لضحكاته الأولى، لخطواته الأولى، لكلماته الأولى، ولكل (أوَّل الشيء) الذي يقوم به…

وليست الأم وحدها من تنتظر أول الشيء كلنا ننتظره؛ ذلك أن له مذاقا خاصا يبقى عالقا بالشفاه دوما.

أول طفل، أول صداقة، أول عمل، أول رحلة، أول رسالة…

وأول لقاء؛ كلها تحفر مشاهدها على جدران القلب بألوان تختلف باختلاف الأحداث..

تمضي الأيام وتبقى الذكرى منقوشة بلونها الذي اختارته على صفحة القلب!

يعود بي الزمن إلى الوراء:

إلى أول يوم لي في المدرسة، أتذكر تفاصيله: ثيابي الجديدة، خطواتي نحو الباب، نظرات أختي وهي تودعني بثغرها الباسم متمنية لي التوفيق.

أول نجاح لي في الامتحانات الرسمية: مقلب صديقاتي، قبلات المهنئين، هدية إحداهن.

إلى أول يوم لي في العمل: مدرسة بلا أسوار، وجوه كساها الشحوب، أعين فضية، وأقسام مهترئة.

إلى أول مرة لبست فيها الحجاب: لونه المميز، فرحة أخي، صور كثيرة، وتهنئات العائلة.

أول مرة قدت فيها السيارة: توجيهات أخي، طريق ملتوي، وهناك في نهايته وقفت أشجار تنتظر مقدمي!

خواطري الأولى، تدوينتي الأولى، رحلتي الأولى، مدرستي الأولى…

كلها مشاهد استطاعت أن تأخذ حيزا لابأس به من قلبي؛ ذلك أنها البدايات..

وللبدايات وهج لا ينطفئ يظل ينير عتمة الطريق أينما حللنا..

ولكنه أبدا لا يلغي ما بعده وإلا كانت الحياة ذات لون شاحب، تنتهي اللحظات الأولى فلا تبقَ للإنسان سوى الخيبة!

وإني وإن تذكرت أول الأشياء أجد نفسي أميلَ لما بعدها، ذلك أني آمنت أن البدايات ما هي إلا باب خلفه طريق طويل لا تُبْلَغ نهايتهُ إلا بشق الأنفس، وأكثر ما نحتاجه لعبوره: الثبات.

وآمنت أيضا أن شغف البدايات شغف زائف، يُمنَحُ للكُلّ غير أنه لا يلبث أن ينطفئ، فيتَعرّى حامِله ولا تبقَ له إلّا همّة نفسه!

لذا أصحاب الهمم العالية وحدهم من تنفر ذواتهم من كل ما هو زائف، بل إنهم في غنًى عن شغفٍ يُمنَح دون مشقة..

فلولا المشقة ساد الناس كلهم.

جميع المقالات (خواطر أدبية) المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

أظهر المزيد

زكية أحمد

مدونة جزائرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى