يمَّا خدوج ..
عيناها نجوم تسبح في شواطئ اللجين، وشفتاها وبل من الشهد، أما قلبها فسيرة جبل شاهق العطاء، في ذقنها حلي من وشام، تحلت به فكانت تنافس الأقحوان في طيبته ولا ينافسها في حنانها وجمالها الزكي..
هي يَمَّا خدوج، أمي الثانية، وإن رأيت في النساء ما استلهمتني امرأة سواها، إنما تجاوزت حدود الوصف والتعبير…
فتحت عيناي على قسمات وجهها الهادئة، فكانت امرأة تُربك مضجعي ومركزها في حياتنا يشوش تفكيري، فكنت أقول، من هذه السيدة التي تعاند أمي في تربيتي، فتساعدني في ارتداء ملابسي، وتقرص خدي حين أقوم بفعل سيء..
يمَّا خدوج .. ولما يحبها الكل لهذه الدرجة؟؟
قيل أنها بمثابة أمنا، وأنها أرضعت إخوتي…
فكنت أرى امرأة حكيمة تلحفت بالحب والصبر والصرامة اللذيذة، فكانت سندنا عند الزلل، وبسمتنا الحانية عند الحزن..
يَمَّا خدوج كانت متزوجة من شخص كان أدنى ما رأيت في حياتي، عانت معه الويلات والخيبات، مع ذلك تحملت لأجل أبنائها..
كانت يَمَّا تسافر في فترات متعددة، لتجلب الدواء من مدينة أخرى، بسبب مرضها الذي لم نعرف به إلا عند وفاتها، وهو سرطان الدم..
كانت كلما عادت من السفر أحضرت لنا الحلويات، والهدايا فنتسابق لنقبل يداها وجبينها، أما البيت فكان يُزهر بعودتها وتغشاه فرحة خرافية..
وفي صباح يوم ما من سنة 2011، رحلت فجأة، هكذا…
تعبت من الحياة دون أن نشعر بها، غادرت البسمة والهدوء..
غادرت وما تزال الطفلة بداخلي تنتظر عودتها من سفرتها الطويلة، وأنها ستطرق الباب يوما، لتقول: كنت أمزح معكم، لم أمت..
لم تكن امرأة عادية… لم تكن…
كانت يَمَّا خدوج… يَمَّا… يَمَّا