منذ سنوات والمواطن العربي يشعر بالملل مما يشاهده على محطات الإعلام العربية فالكثير من استديوهات الأخبار تحولت إلى غرف عمليات وعناية مركزة مهمتها إنعاش أجساد بعض الأنظمة العربية المتهالكة للإطالة في أمد بقائها قدر الإمكان، وأعترف أن مهمتهم من أصعب المهام على وجه الأرض؛ فالمريض ليس كباقي أقرانه من المرضى العاديين الذين قد تنفع معهم آلات التنفس الاصطناعي وأجهزة غسيل الكلى وأكياس الدم والبلازما، إن مرضاهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة؛ إلا إذا استهلكوا جُلّ أكسجين الحرية المسروق من المواطن العربي ولا ينعش أوردتهم إلا دماء الأبرياء من العرب، وهم بحاجة ماسة للماكينات المستوردة من الغرب، التي تعمل على مدار الساعة لتنقية أجسامهم بدلا من كلاهم، التي أصيبت بالفشل لفرط تعاطيهم أفيون الطغيان منذ عقود.
فما أشبه قناة الجزيرة اليوم بذلك الجراح الذي يرفض إجراء عمليات ترقيع العذرية، لأن مبادئه المهنية تنهاه عن غش الناس وأخلاقه ترغمه على البقاء مخلصا في عمله، إن هذا النوع من الإعلام الذي يقوم على نشر الوعي وتحقيق الحقائق والوقوف بجانب المظلوم، ويرفض التزوير والخداع، يظل يزعج الطغاة ويؤرق ليلهم فلا يتوانون عن إنفاق المليارات لمحاربته وتشويهه أمام الناس، وتلفيق التهم إليه لكي يخاف الناس حتى من متابعته أو نقده فمن يتجرأ على متابعته أو الدفاع عنه أو حتى إبداء رأيه بموضوعية فيه متهم بأنه مخرب عميل يعمل لأجندات خارجية في كثير من البلدان.
وأعترف أن هذه التهمة من أكثر التهم التي باتت تضحكني مؤخرا؛ فتلك الحكومات التي تظل تتهم مواطنيها بأنهم يعملون لأجندات خارجية، تكون قد اعترفت مسبقا بلسانها أن لا أجندات داخلية فيها ولا حرية ولا رأي، وأن المواطن فيها لا يسمح له لا بالتفكير ولا بالتخطيط ولا بالتعبير عن رأيه، فلما كان من المستحيل عليه كتابة أي أجندة خاصة به راح يستورد الأجندات الخارجية، هذا إن صح ما يدعونه لكن الحقيقة أن الربيع الذي يجتاح المنطقة العربية ويصر على البقاء فيها منذ سنوات جاء بالكثير من الأزهار الخلابة، التي سرقت قلوب العرب بجمالها فراحوا يكتبون أجنداتهم المستقبلية على أوراق أزهار الحرية بدمائهم.
كاتب التدوينة: محمود عارف