ومضة أولى: “الابتعاد هو أكثر ما أجيد فعله!” يهمس ضاحكا..
ومضة ثانية: “حقا، كان الأمر بهذه البساطة: جمعنا عددا من الدلاء القصديرية الصدئة وعزفنا ابتهالاتنا، وصرخنا مقلدين الهنود الحمر. تعلم؟ استجابت السماء لطقوسنا يا ذاكر الليل وتساقطت الأمطار في منتصف الصيف…”
ومضة ثالثة: يخرج الطفل “ﺃَﻏْﺮُم” من بين طيات السجاد ضاحكا، يركض، تتسارع أنفاسه، يواصل الركض..
ما قبل البداية: يدندن صوت رقيق في الخفاء..
هو الليل: حقل لأشياء بعيدة..
يا لابس الصوف، رتلني-
أنا الحرف السماوي القادم
وأنا الزمن الرابع..
ظلمة ثم نور، هكذا كان البعث وكانت البداية: “تقدم، بإمكانك مخاطبة الجميع الآن..”
قبل أن نبدأ، أعتذر لأن الكاتب اختار أن يتجاهل تقديمي إلا من خلال بضع كلمات مبهمة زادت من الغموض الذي يلف حكايتي..
أود أيضا أن أؤكد أنه لم يكن لي أي دخل في اختيار اسمي: “ﺃَﻏْﺮُﻡ” الذي ربما يبدو غريبا للوهلة الأولى، لكن كل من “ذاكر الليل” و “لابس الصوف” يؤكدان أن الكاتب -وهو شخص غريب الأطوار في بضع الأحيان وليس دائما- لم يختر لي هذا الاسم من فراغ.. حسن ربما أستطيع تصديق ذلك لما بلغني من عدد من الأصدقاء أنه يصفني بالطفل في ثوب السنديانة بطعم الذاكرة ورائحة الخبز أو شيء من هذا القبيل..
أعتذر، نسيت أن أقدم نفسي..
اكتشفني غريب الأطوار منذ مدة، أؤكد أنه لم يخلقني وسأثبت ذلك لاحقا حين أخبركم كم ساعدته مؤخرا.. لعلكم قرأتم ما كتب عن ملامستي السماء البارحة، هل أعجبكم ذلك؟ أحببت الأمر حقا، كان حدثا جميلا بالرغم من الكلمات المحبطة التي بالكاد سمعتها حين تمتم بها صديقي الشغوف “ذاكر الليل” الذي لم يؤمن بقداسة طقوسنا بخلاف إيمانه الراسخ بعطف السماء لأمر ما متعلق بقلوبنا..
“ﺃَﻏْﺮُﻡ، ألا تكف عن الثرثرة!!!”
رجاء لا تلقوا بالا لهذا النشاز، لكن ربما علي أن أكون أكثر وضوحا.. هذا ظهوري الأول تقريبا ولا أخفيكم علما أني لم أستطع التعامل مع هذا التلعثم..
دعوا عنكم كل هذا من فضلكم:
أنا طفل مثل أي طفل، أملك أشياء تميزني مثل أي إنسان، لكن في الوقت نفسه لست مثل أي إنسان، إذ لا وجه ولا صوت لي ولا لون ولا حتى رائحة على النقيض مما يصفني به الكاتب المزعج كما يطلق على نفسه..
يقول “لابس الصوف” صديقي الحكيم، أني كالماء الطاهر وأن في كل طفل لي وجه وجسد.. يقول أيضا أني أتقمص الأطفال المتواجدين داخل الكبار، أكد لي أنه لا يقصد بذلك الأجنة والنساء الحوامل، ولم أفهم بتاتا ما يقصد بقوله ذاك، ربما لأني طفل لا أستطيع فهم الحكماء كما ينبغي..
قد يكون الكاتب من لقنه ذلك، من يدري؟
أتمنى حقا أن لا تشعروا أني أطلت الحديث في أمور لا معنى لها..
ربما تلتقون بي كثيرا في قادم الأيام.. حسن، لا أستطيع أن أضمن لكم شيئا ﻷن ذلك مرتبط بإرادة الكاتب الذي يشاع أنه كائن ضجر لا يتم أبدا ما يبدأه..