أطل علينا حاكم الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي؛ من كوة معرض الكتاب بلندن، مطلقاً عنان لسانه، ليحدثنا عن إنسانية ديغول وثقافته العالية ومواقفه المشرفة، وليضرب لنا به المثل في القضية الجزائرية؛ حين ادعى في خطوة وضعت سكيناً صدئة في خاصرة التاريخ؛ أن ديغول منح الجزائر استقلالها لأنه أراد كسب ود جمال عبد الناصر والعرب، متنكراً لسجل ديغول الإجرامي، وما قام به من مذابح ارتكبها لإخماد الثورة الجزائرية، متنكراً لثورة احترم كفاحها العدو قبل الصديق..
متناسيا لثورة قدم فيها الشعب الجزائري الغالي والنفيس، ثورة لم يكتب لها النجاح حتى اصطبغت بالأحمر القاني، حين ارتوت أرض الجزائر بدماء ما يزيد عن مليون ونصف من خيرة أبنائها، نحتوا معالم ملاحم أعظم ثورة في القرن العشرين على صخر جدرانه، وسطروا بطولاتهم في كتب التاريخ الثرثار، -الذي تلفق أنت عليه اليوم يا سلطان-، وماتوا كي تحيا الجزائر.
ألم يأتك يا سلطان حديث الكفاح الجزائري؟!، الذي رافق الثورة الجزائرية طيلة سبع سنوات، من معارك وإضرابات ومظاهرات ومجازر؛ ارتكبها “ديغولك” الذي تتشدق علينا بإنسانيته، وإني أخشى أن لا يسعفك العمر للقراءة عنها بكل تفاصيلها، فسأحذثك عن بعض من أبطال تلك الثورة التي يفوق عدد أبطالها وشهدائها عدد حبات الرمل في بلادكم..
ألم تقرأ يا سلطان عن موقف أسد الأوراس الشهيد مصطفى بن بولعيد؟!..
ألم تسمع عنه، وهو الذي كان يعبئ المجاهدين لثورة قاسية وصعبة فقال لهم: “حاولوا دائماً حتى ولو كانت نسبة النجاح تبدو ضئيلة، فإذا فشلتم قيل إنهم حاولوا وفي ذلك رجولة وفخر”..
ألم تقرأ يا سلطان، عن بولعيد؟!.. عندما جمع حوله فرسان الحرية؛ الذين كان لهم شرف إشعال شرارة الثورة المظفرة لمنطقة الأوراس، ليلة الفاتح نوفمبر، وقال لهم بكل بثقة وتصميم: “إخواني سنجعل البارود يتكلم نيابة عنا”.
أم أنك لا تقرأ ياسلطان؟!.. حتى تقع عيونك في سجل الخالدين، على مقولة القائد الشهيد مراد ديدوش، أول قادة الثورة سبقاً إلى نيل الشهادة وهو لم يتجاوز سن 28، “إذا ما استشهدنا دافعوا عن أرواحنا.. نحن خُلقنا من أجل أن نموت ولكن ستخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة”.
ربما جنابكم لم يقرأ، رائعة شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا “الذبيح الصاعد”؛ التي خلد فيها الشهيد البطل أحمد زبانة، أول شهيد تعدمه فرنسا بالمقصلة، متحدياً جلاديه حين قال لهم وهو على خشبة المقصلة: “سننزع منكم حريتنا عاجلا أم آجلا”.
لا تقل لي أنك لم تقرأ يا مستحدث الحداثة، عن الشهيد العقيد العربي بن مهيدي؟!..
إنه مفكر الثورة وروحها المتوثبة وصاحب المقولة المشهورة “ألقوا بالثورة إلى الشارع فسيحتضنها الشعب”، وقال لقادة الاحتلال الفرنسي وهو في سجنهم، في إيمان الأولياء وثبات الجبال: “إننا سننتصر لأننا نمثل قوة المستقبل الزاهرة وأنتم ستهزمون لأنكم تريدون وقف عجلة التاريخ الذي سيسحقكم، لأنكم تريدون التشبث بماض استعماري متعفن حكم عليه العصر بالزوال، ولئن مت فإن هناك آلاف الجزائريين سيأتون بعدي لمواصلة الكفاح من أجل عقيدتنا ووطننا”..
ألم تسمع يا سلطان وأنت على أرائك قصرك الوثيرة، عن مقولة الشهيد العقيد البطل سي الحواس؟!..
إذن تنغم معي بنغم الكلمات التامات صدقا “إنني لا أخاف على الجزائر من العدو بقدر ما أخاف عليها من الذي يبيته العدو.. إننا نحارب بكل سلاح؛ بالمؤامرات والدسائس والأكاذيب والمدافع والقنابل ومع ذلك سنصمد وسننتصر بحول الله”..
ألم تقرأ يا سلطان، عن أسد جرجرة الشهيد العقيد عميروش آيت حمودة؟، الذي استشهد ولم يتجاوز من العمر 33 سنة، ألم تقرأ كلماته التي خلدها التاريخ هو الآخر؟، “الشعب الجزائري ناضج لتحقيق الاستقلال والثورة ماضية إلى الإمام لأن الجزائريين يدركون أنهم لا يقاتلون من أجل عميروش ولكنهم يقاتلون من أجل الجزائر”.
ألم تقرأ ياسلطان، أن عدد النساء الجزائريات المشاركات في حرب التحرير الجزائرية بلغ عددهن أحد عشر ألف امرأة محاربة.. جعل من الثورة الجزائرية من الثورات القلائل التي قامت على أكتاف الرجال والنساء..
ألم تقرأ يا سلطان، عن المرأة الجزائرية التي لم تكن أقل شجاعة أو أقل إيماناً بقضية تحرير الوطن من الرجال، فهذه الشهيدة البطلة حسيبة بن بوعلي التي التحقت بالثورة وعمرها 17 سنة فقط، واستشهدت في سن الزهور وهي ذات الـ19 سنة، وخلد التاريخ مقولتها الشهيرة متحدية الجبروت العسكري للمحتلين “أفضل أن أموت بين إخواني على أن استسلم للسفاحين”..
لو كنت تقرأ يا سلطان، لكشف لك التاريخ غطاء عينيك عن مواقف خلدها التاريخ لأبطال أمنوا بحق شعبهم في الكرامة وحق وطنهم في الحرية والاستقلال..
لو كنت تقرأ لما كنت قد قلت باطلا وهرطقة على روح التاريخ وأرواح الشهداء..
“سقت آخر جدران الحياء”، ربما تكون قد سمعت بعبارة نزار قباني هاته، التي تتناص مع ما أقدمت عليه، ولقد سقطت به آخر سحنة حياء عن وجهك..
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا يمكن أن نذكر نزاراً والثورة الجزائرية دون أن نذكر في المقام مقال شاعر الياسمين عنها:”ومن أروع ما شاهدته في الجزائر أن كل جزائري تقابله يشعرك بأنه هو الثورة، فهي موجودة في نبرات صوته، وبريق عينه، وحركات يده، وكبريائه وعنفوانه، وطبيعته المتفجرة، وطقسه الذي لا يعرف الاعتدال..”.
تعليق واحد