إلى آخر ناجٍ من الحياة

لستَ بأحدٍ حين تدسّ رأسكَ حيثُ لا يوجدُ ما يجذبك؛ ما يُشبهك؛ ما يجعلكَ ذلك الشخصَ الّذي تراهُ أمامك يوميّاً في المرآة ولا تعرفه.

ذلك الّذي يطلبُ منك دائماً قبل أن تنام أن ترتّل أحلامك حلماً حلماً، وأن تشدّ على أصابعك جيداً، وأن تسبّح بأسماءِ الله وعددِ الخيباتِ الّتي لا تريدُ أن تغادرك.

ذلك الّذي يسحبكَ من يديكَ ويعبرُ بك الشوارع الضيّقة، يُجلسك على أول كرسي يصادفه في مقهى، يطلبُ لك قهوةً مرّة، يشربها بدلاً عنك، ويقصّ عليك أشياء لا تفهمها، بينما تتطلعُ عيناكَ إلى أبعد ما في السّماء.

لستَ أحداً حينَ تطبقُ بجفنيك على عيونكَ الّتي لا تكفّ عن السفر، تحلق في عوالم لستَ تدرك أسرارها بعد، هي أشياء بعيدة جدا كالنجوم، كالأخبار السعيدة التي تأتينا ولا نعرف صحتها، فنجلس طوال الوقت نصلي أن تكون كذلك.

لست أحداً آخر حين تؤمن أنّك أنت وحدك الماضي في دربك، لا أحد غيرك يمضي معك، فتشدّ على أقدامك أكثر، تعضّ على لسانك كأنما تتحدى التعب، لتكمل دون أن تلتفت إلى الوراء.

في النهاية أنت الحالم الوحيد، حالمٌ برغمِ كلّ شيءٍ، أنتَ قديّسُ الأحلام الّذي تغاضى القدرُ عن سحقه، وخلّفه كمجرّةٍ مهملة لا يزورها النورُ، لذلك عاشت على الظلام، واعتادت حلكته فصار وجهاً مميزاً من أوجهها.

ذلك الظلام الذي عشته دائماً، لا نور يطفئه إلا نورك أنت؛ في داخلك أنت، في أعماقك حيث الصوت الذي تسمعه دائماً، والذي لابدّ أنه سيقودك ذات يومٍ إلى مجدك الذي تبحث عنه.

أنت وحدك صديق نفسك الأكثر وفاء في زمن الخيانات، أنت الوحيد الذي ستحافظ مع ذاتك على تلك الوعود التي قطعتها يوماً، لا أحد سيأخذ بيدك حين تكفّ عن الركض، حين تتعب وتحتاجُ نفساً إضافيا يحفزك لتستمر، لا كفّ غير كفّك أنت.

وحيدٌ أنتَ كحروفِ الهجاء قبلِ أن تجتمع لتشكل كلمةً ما، وحيدٌ كغيمة في سماءٍ رحبةٍ لا تريدُ أن تُمطر إلا في مدينة مقفرة، كلاجئ مات كلّ الذين يعرفهم، وتاه هو وحيداً بين الحدود.

كقلبٍ متعبٍ يريد بعد عمر الخيبات أن ينبض بالفرح، تظل ممسكاً بتلابيب الأمل، تطارده حيث تلمحه، هو يراك لابدّ يراك جيداً، لكنّه ككلّ الأشياء الجميلة، يحبّ أن تتعب لتناله.

إنه ليس حظاً لتحظى به يوم ولادتك، هو أعظم بكثير، هو جائزةٌ تنالها حين تصبح أكثر قدرة على التحمل، هؤلاء الذين يصارعون في الحياة، إنّما يحصدون في النهاية شيئاً من الأمل، إنّه الرهان الأكثر صعوبة في مسيرة الحياة، أن تُبقي نفسك في محمية الأمل، إن غامرت يوماً، وحاولت أن تجرب اليأس فسينتهي بك الأمر مكسوراً مهزوماً، غير قابلٍ للحياة من جديد.

أيها المغامر، لا تتخلى عن أحلامك، إنها كلّ ما تملكه، هي كنزك الصغير الذي سيوصلك.

وكلما مر عليك الوقت، ستتأكد أنه ليس مقبولا أبداً أن تتنازل عن أحلامك لأجل أي شخص مهما يكن، لابدّ أنك اختبرت فيما مضى، وتأكدت من أنه ما من شخص قد تخلى عن أحلامه لأجلك أنت.

 

الحياة تأتي مرة واحدة فقط، إما أن تعيشها كما هي، وإما أن تبتعد عن طريقها، فهي لا تقف عند أحد، ولا تجلس في قاعات الانتظار كما يفعل البشر، لا شيء في تلك الطقوس يستهويها. 

كن جاهزا لها دائماً، في يدك حقيبتك، وفي قلبك روح المغامرة.

ارفع رأسك قليلاً، هل ترى شيئاً الآن؟ هذي صورتك الحقيقية أمامك؛ وهذا أنت، مهما حدث فيما مضى، مهما سيحدث فيما سيأتي، تذكر أن تكون دائماً حيث يكون قلبك.

كاتب التدوينة: غانية أحمد الوناس

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version