الإسلام المُبتلى بنا

ظهر الإسلام في بدايات القرن السابع الميلادي (حوالي 609م) في منطقة منعزلة جدباء، لطالما بقيت خارج الحسابات الاستراتيجية للإمبراطوريات، التي كانت تتنازع الأراضي الخصبة والمتحكمة بخطوط المواصلات والعقد التجارية.

لم يكن العرب حينها دولة واحدة، وحتى لم يكن لهم ذلك الطموح لفعل ذلك. فقد كانوا عبارة عن مجموعات من القبائل المتناحرة، التي فرضت عليها البيئة المُحيطة أن تتنازع على أراض غير خصبة بموارد محدودة جداً، لا يجمع بينها إلا اهتمامات البداوة الأولى من فروسية وفصاحة وتباه برؤوس الأنعام.

حدّد النبي الكريم مهمته الأولى بقوله “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”..، أما رب العزة فقد نبّه الرسول إلى أن مهمته تكمن في، “إنما أرسلناك هاديا ومبشرا ونذيرا”..

أما السلف الكريم فقد شمّر عن سواعده، وفهم أنه قد أوكلت إليه مهمة جليلة، تكمن في نشر الدين الجديد وإقامة نظام عالمي جديد تسوده العدالة التي أصر النبي الكريم على ترسيخها.

استمر ذلك الدفق العاطفي أجيال عدة، وخرج العرب من جزيرتهم لينساحوا بعيدا، وسرعان ما تساعدوا مع أمم الأراضي المفتوحة وبنوا امبراطورية جمعت أغلب الأمم المعروفة في ذلك الوقت، في نسيج تعاونت فيه كل المكونات لتبدع حضارة سادت لقرون عدة.

أمم لا يجمعهم شيء، اللهم إلا السلطة الحاكمة، والتي بدورها سرعان ما فوضت لممثليها المحليين بإدارة شؤون تلك المناطق.

من هنا، نجد أنه لم يكن يخطر على بال أحد أن يتحول هذا الدين العظيم، والذي حوى بين جنباته كل مقومات القوة والاستمرارية، لم يكن يخطر حتى على بال أعدائه أنه سيتحول يوما ما إلى ما هو عليه الآن.

فإسلامنا الداعي إلى البناء والعمل ونشر العلم والمحبة والعدالة قد تحول في ليلة ظلماء إلى: 

– دكاكين تبيع الكراهية والتفرقة بحجة أن الإسلام دين عزة واستعلاء، تحتقر الشعوب الأخرى وتستبيحهم وتستبيح أملاكهم، وتستسخف تاريخهم ومعتقداتهم بل حتى طريقة تفكيرهم وطريقة لباسهم. بل والأنكى من ذلك تطرح فكرة أنه من المستحيل التعايش مع اختلافاتهم، وأنهم ما خلقوا إلا لخدمة حملة الدين القويم، أصحاب الفرقة الناجية.

– رجال دين همهم الوحيد تسخيف عقول العامة وحشوها بترهات وخرافات وحواديت لا تفيد، اللهم إلا بتخدير طويل الأمد وسلب إرادة وتجهيل منظم. كل ذلك لكسب مجد شخصي يعوم على فقاعات من الجهل، وأشخاص مغيبون منقادون دون رأي أو إرادة.

– سلاطين قد غرقوا بمتع الحياة التي يعيبونها على منابرهم، ويدعون الناس للزهد بها والاقتناع بما ينتظرهم في حياتهم الأخرى، ليصرفوا نظر الجمهور عن السلطة ويحاولون اقناع الجميع أنهم مؤيدون بذلك التفويض السماوي الذي جعل طاعتهم من طاعة الله ورضاهم من رضاه.

– أحاديث تمجد الجنس، وتفرد له الحصة الأكبر من الشرح والمعالجة والتشريح، وتحصر الرجولة بمنطق الفحولة. وتقسم المجتمع لفئة متفوقة بدنيا وعقليا ودينيا، وفئة فرض عليها الطاعة العمياء والانقياد، فخنوعها نوع من أنواع الطاعة، وإطلاق عقلها هو نوع آخر من أنواع الهرطقة غير المرغوب فيها على الإطلاق.

فلله در هذا الإسلام الذي ابتلى بنا، ولله مسلمين أضاعوا دينهم وأنفسهم، وغرقوا ببحر الظلمات والجهل والفوضى.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version