تمر الأيام وتتعاقب الليالي فتدمع العين ما تدمع ويخفق القلب لمن كان يعشق ويهوى، ثم تدق ساعات الحنين وتجعلني أفتش في دفاتي العتيقة، وأفتح خطاباً أرسلته لي فيما مضى لأجد السطور مملوءة بأحبار الحب والشوق واللهفة..
وأقرأ قبل بداية الخطاب: إرسال من حبيبة قلبك إلى كل شيء في الحياة يسبب النبض داخل قلبي وتبدأ الخطاب بكلمات عبد الحليم حافظ؛ وأم كلتوم، الأغاني الخالدة التي أحس عند سماعها أنها كتبت رثاء في حبنا..
ثم أقرأ في نهاية الخطاب: عما قريب ستلتقي جميع الأحاسيس التي كانت تثور في داخلنا، لتنتحر بعدها جميع السنفونيات التي عزفناها في خيالنا، غدا سنجلس على مائدة الهوى، لوحدنا، وحولنا ملائكة تدون قصتنا، لتجعلها أقنوما وعبرة لجميع العاشقين..
عندما أقرأ هذه اللمسات تجدني ببداهة العاشق الذي يعاني حرقة الهوى، أرتدي ثياباً كانت تحبها كثيراً وأذهب إلى مكان التواعد واللقاء الذي كان يجمعنا بعد نزوة عشق، حين أرى عينها في نظرة شوق أعرف اللحظة أن كل ضيق وحزن في الحياة يهون طالما هاتان العينان السوداويتان تنظر إلي، وأقف في مكاني وهنة وأفكر في لا شيء فيصمت العقل ليتيح الفرصة لقلبي يشعر بحنين وإحسان سماوي بريء..
هنا كنا نتلاقى، وهنا كانت تتوقف لغة الحوار عندما أمسك يدها، وحولنا بائع الورد الذي أتذكره جيداً، كنا نقف عنده كل لقاء لتهديني منه وردة يختلف لونها في كل لقاء، فالحب بنفسه يعشق أن يعبد ويداع، ويأمل أن تختلف ألوان القرابين وأشكالها، حتى يبارك للعاشقين ويهديهم إليه..
تختلف مشاعرنا عند كل لقاء، وعند كل نظرة، وحول كل دمعة، ولما سألتها يوما قائلا: هل حق لحبنا أن يستمر أم أننا لا بد أن نبتلى بالفراق، فقالت ببراءة الأطفال: لا تخشَ من شيء يا عزيزي فالحب الذي جمعنا، سيظل يحرسنا، وسيظل رابطة تجمعنا..
قالت ذلك وكأنها قد علمت أنني سأكتب هذه العبارات يوما من فرط الشوق لها، فضحكتُ وأمسكتُ بيدها وهمست أمام صفاء عيونها اللامعتين أنه من لم يذق جمال الحب من قلبك، ومن لم يشعر بطمأنينة الحياة من لمسات يديكِ فكأنه لن يذوق طعم الحياة مرة أخرى، فضحكت ضحكة جميلة مسترسلة كأنها تقول أنت تعرف كيف تجعلني أحيا..
كانت تلك الابتسامة الملائكية آخر لمسة وضعتها في ذاكري، تاركة خلفها جرحا دفينا، وخريفا يحلم بالربيع، وليته يحل الربيع!!