كأي إنسان في هذه الحياة بين معصية وتوبة بين لهو، ولعب، واتباع الشهوات، وبين الفينة والأخرى رجوع إلى الله، الكثير من الناس يعتقدون أنّ الالتزام شيء صعب للغاية ومنهم من يمقته بشّدة والبعض الآخر يرونه سجن أو ما شابه ذالك، والبعض الآخر يسخرون منه ويصنفونه إلى الجاهلية..
دعونا نفكر بشكل آخر إذا نظرنا إلى الله سبحانه وتعالى، بنظرة المحب المشتاق لحبيبه، المتلهف لرؤيته الطامع في رضاه، هل سيبقى الأمر كما هو؟ بالطبع لا؟ وأي حبيب هذا إذا كان الإنسان للإنسان، أو الحبيب لحبيبته، يفعل الكثير ويضّحي بالكثير كيف إذا كان الله جلّ جلاله.. قال ابن القيم رحمه الله:
“ليس المستغرب أننا نحب الله تبارك وتعالى، ليس بمستغرب أن الفقير يحب الغني وأن الذليل يحب العزيز، فالنفس مجبولة على حب من أنعم عليها وتفضل عليها بالنعم، لكن العجيب من ملك يحب رعيته ويحب عباده ويتفضل عليهم بسائر النعم”.
كنت في زمن مضى لا أفرق بين حب الله وحب من حولي ولطالما كنت أجهل هذا الشعور الذي كنت أقرأ عنه في الكتب، حتى أتى الشافعي رحمه الله ليغير حياتي من جذورها جدّدّ فيا حياتي، شعوري إحساسي، كياني، نظرتي، حتى روحي صارت تحلق في السماء تبحث عن محبها..
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبـك صادقا لأطعتـه إن المحـب لمن يحب مطيع
لم أمر على هذا البيت من الشعر مرور الكرام بل خلال قراءتي له شعرت بشيء داخلي يتحرك وانتابني شعور مبهم، عجزت عن فهمه، نعم عجزت عن فهم نفسي، تغيرت نظرتي من يومها وصرت أبحث عن الله داخلي وكيف كان الله سبحانه وتعالى يفتح أبواب علمه لتزداد معرفتي له أكثر، التزمت حبا لديني وقرآني، وشوقي، وإيماني، لا تقليدا ولا جهلا أو مظهرا بل حبا وفقط.
ولما خير نبينا صلى الله عليه وسلم بين الحياة الدنيا ولقاء الله عزّ وجل قال: بل الرفيق الأعلى.
يقول ابن الربيع ابن خثيم لما احتضر أبي بكت أختي فقال لها: يا بنية لا تبكي ولكن قولي يا بشرى فاليوم ألقى ربي.
الحب هو النعمة الكبرى هو الشيء الوحيد الذي يدفع الإنسان للتغير والتجديد، ويمده بالقوة على التحمل فنجد الإنسان إذا أحب انقلبت حاله بين ساعة وأخرى ويبقى متمسك بحبيبه ويضحي بالكثير من أجله فنجد الطفل متمسكا بلعبته التي لا يستطيع أن يستغني عنها لحظة واحدة وإذا حاولت أن تنزعها منه ينهار تماما، ويا ويلك إن اقتربت منها ونرى الأم مع صغارها تحمله 9 أشهر وتتحمل الألم والسهر وتقاسمه دمها وعظمها وحين تضعه لا يمكن أن تتركه ساعة دون أن تتفقده هو ساكن في قلبها يسير في عروقها سريان الدم!
فالأشياء العظيمة لا تأتي إلا عن حب ورضا تام وعن علم وقناعة فالشيء الذي تجهله لا تشعر من ناحيته بأي شعور حسنا كان أم سيء، فحب الله لا يأتي إلا بعد تعب واجتهاد، أن تبحث في الملكوت الأعلى أن تحلق الروح في أعلى علين، فإذا عرفته أحببته، إذا أحببته أطعته، ووجدت نفسك تقدم له ما يحب وما الصورة التي تكون عليها لترضيه ويرضيك، قسما بالله ستشعر بسكينة وسعادة يصعب وصفها، وكم تغزل الشعراء وكم كتب الزهاد في حب الإله ومنهم الشافعي ورابعة العدوية رحمهم الله ومن قصائد رابعة العدوية التي تجعلك تحلق في سماء حب الإله وما أعذب هاته الكلمات..
عَرَفْتُ الهَوى مُذ عَرَفْتُ هواك وأغْلَقْتُ قَلْبي عَلىٰ مَنْ عَاداكْ
وقُمْــتُ اُنـاجِيــكَ يا مَـن تــَرىٰ خفايا القُلُــوبِ ولَسْنـا نــراك
أحِبُــكَ حُبَيْــنِ حُــبَ الهَــوىٰ وحُبْــاً لأنَـكَ أهْـــل ٌ لـِــذَاك
فأمـا الذي هُوَ حُبُ الهَوىٰ فَشُغْلِي بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ
وأمّـا الـذي أنْــتَ أهــلٌ لَــهُ لَسْتُ أرىٰ الكَوْنِ حَتىٰ أراكْ
فـلا الحَمْـدُ في ذا ولا ذاكَ لي ولكنْ لكَ الحَمْدُ فِي ذا وذاك
كاتب التدوينة: عايدة بلميلود