المخيم واللجوء.. مخيمات اللاجئين السوريين .. لعنة البرد والطين
من العادة أن تكون إنساناً وليس لاجئاً..
للحظة فقط، أغمض عيناك وخذ شهيقاً من أعماقك وأخرج زفيراً… ألا تسمع صوت حشرجةٍ مُهترئة من الألم.
منذ شهور وفي كل ساعة وأنا أحاول أن أكتب عن شيء ما بداخلي ولكن كلماتي الخجولة تقف عاجزة أمام الواقع.
بيتٌ قوامهُ وتدٌ وحبلٌ وقطعةٌ من قماش..
وأرضه من تراب..
لن أقول لك تخيل لأن هذا واقع..
بيتٌ عارٍ من الباب يحرم سكانه من الخصوصية، خالٍ من النوافذ يمنع عنهم الهواء والشمس..
حيث أنه لا يوجد جدران لتسند ظهرك المحطم من أجل الكرامة.
“أرسلت روحي إلى داري تطوف بها
لما خطانا إليها ما لها سبل”..
أرسلت روحي ولكن إلى المخيم حيث ما أذن سمعت ولا عين رأت..
عادةً يبدأ الصباح بشروق الشمس على شرفة ما وفنجان قهوة وسماع أغنية لـ فيروز (راجعين يا هوى راجعين) ولكن هنا الأمور مختلفة كلياً..
صباحُ البرد القارص الممتزج بهواء كالزمهرير وهالة من الوحل، الوحل والطين اللذان حفظا عن كثب نعال وأقدام المهجرين العارية من كل شيئاً سوى الكرامة.
صباح يتحدث عن شبه ابتسامة رُسمت على وجه امراة تجمع بقايا البلاستيك لتدفئة ما تبقى من أولادها، وتكاد تجاعيد وجهها تطغى على ابتسامتها القوية.
صباح من قدم طفل، لا من أسفلها من الكعب الذي تشقق من عناء المخيم ورممته حفنة من التراب.
عادةً في الصباح، يجلس أحدهم على شرفة منزله بثياب النوم الخاص ويقرأ جريدة الصباح، ولكن الأمر مختلف هنا.
كان هناك طفل يرتدي كنزة لا يغيرها أبداً مع أنها متسخة جداً، ولكن الفجعة أنه لا يستطيع أن يبدلها لأنه لا يملك سواها ولا يعرف أن يقرأ إلا الحرفين على جدار الخيمة المتهاوي UN، يتسأل ماذا يعني ولا يعطي أهمية كبيرة وينشغل بأمور أهم.
للحظة فقط، تذكر أن الله منَّ عليك ولم تقطن في المخيم
أو إذا كنت في الترام أو المترو أو أين ما كنت، وتنظر من خلف شاشة هاتفك وأنت منعم بالثياب الدافئة والتي إذا ابتلّت تستطيع أن ترتدي غيرها، أرجوك ساعدهم بأقل مالك وأكثر دعاء وذلك أضعف الإيمان.
جميع من يقطن هنا فر من الذل والقصف، ولكن هنا أيضاً حرب بين الخيم والمناخ.
أسف لتكرر كلمة عادةً ولكن..
عادةً ما نحب أن ننظر إلى المطر من خلف زجاج النافذة، ونقف أمام المدافىء ونشوي عليها الكستناء اللذيذة ولكن هنا.. الخيمة لم تصمد كثيراً أمام الهواء القوي فطرحت أرضاً، ومطرٌ نافعٌ قاسٍ لم يصبر عليه سقف الخيمة فأصبح نديماً لساكن الخيمة إلى أن غمر أرجلهم وأوانيهم.
الطين وما أدرك ما الطين كان دائماً متشبثاً في أرجلهم ويلتصق بنعالهم، كانت بصمة لكل قاطنٍ في المخيم وكان يتسلل الماء إلى أصابع أرجلهم وتصبح وأطراف أصابعهم حمراء منتفخة من البرد.
المخيم ومعركة البرد القارس
والهواء البارد كانت مهمته أن يغزو وجوههم وأيديهم، فهم يسلمون وجوههم للهواء البارد ويدفئونا أيديهم من تحت إبطهم.
إنها معركة الدافئة الشرسة..
لا يكفي أن نستمع إلى (لما تخذلك البرايا بس صيح ياااارب)
وعادةً في الصيف نجلس تحت المكيف أو المروحة ونستمتع بالبرودة ولكن حتى في الصيف، كانت الشمس تقنصهم بحرارتها ففي داخل الخيمة وخارجها هناك حرارة تصيب بعضهم إلى أن يفقد وعيه.
إنهم أناس مثلنا تماماً ولكن أُغتيلت من حياتهم كلمة {عادةً}..
لم اعش معهم ولكني أحاول أن أكتب عن جزء عن معاناتهم، وأيم اللهِ إني لخجول وأنا ملتحف البطانية وأكتب عن بردهم.
أعيبٌ ما كتبت عن ألمهم، أجيبوني؟؟!
مدبع