وكأنك تجوب شوارع نيويورك، حيث الحياة مذهلة وكل شيء مميز، تصادف رجلا ينزل من سيارة ليموزين بعد أن فتح له سائقه الخاص الباب مرتديا أفخم طقم، تراقبه وهو ينظر لساعته الروليكس ويتفقد هاتفه الأيفون ثم يهز كتفيه ليسير في شموخ.
يتبادر إلى ذهنك أنه من الطبقة الراقية وأنه ينتمي لأولئك الذين يستقبلون صباحهم بفنجان قهوة مريرة بطعم سيجارة ثمينة أمام نافذة شقة تطل على البحر ليتمكن من استنشاق نسيم الصباح ليشحن نفسه حيوية قاصدا العمل ثم ينهي يومه بفنجان قهوة ليلية بنكهة رواية لدوستويفسكي أو باولو كويلو ليشحن تفكيره أدبا.
ثم فجأة تسمعه يخاطب المارة “يا لكم من كفار” وسط ذهول أفكارك ينهدم ذلك المبنى الجميل الذي بنيته من الوهلة الأولى لتتساءل أيعقل! أيوجد شخص بهذا الرقي والتفكير في وقتنا الحاضر! كيف وأين ومتى؟ وكأنك تحلم، تقرر أن تحدثه بعد أن استفز كل ما فيك لتكتشف أنه شخص من عصر الظلمات في عصر الأنوار لايزال يرى الظلام فقط.
تماما هو حال المغرب، يهتم بالكماليات ولا يأبه بالجوهر لقد واكب العصر والتطور نوعا ما لكنه لا يزال يحمل في طياته نوعا من الجهل والتخلف، عندما أتحدث عن المغرب والتقدم أقصد بذلك تطور في وسائل النقل، التواصل كذلك التكنولوجيا وكل ما يتعلق بالمظهر، أما من جهة الوعي والمعرفة فهو يعيش طامَّة ولَّدت منكوبين بذهنية جامدة لقد نسي كبس زر تعليم ناجح الشيء الذي سبَّب نقصا في جميع ميادينه ومهما تقدم يظل متأخرا.
المغرب كشخص ارتدي ثوبا أنيقا يخفي به ندوبا عديدة لا تزال تنزف تكشف أمره ما إن يتلطخ الثوب بل هو كشخص مادي يؤمن بمقولة المال لا يخلق السعادة لكن داخله يقول تالله إنه يفعل.
المغرب يرحب بالطبقة الأنيقة ويهمش الطبقة المرهقة لأن الأولى تشكل الواجهة الأساسية التي يتعامل بها مع الآخرين ويخفي الثانية التي تطيح من شأنه وعظمته، إن واجهته بالفعل رائعة وأنيقة لكنها ضعيفة وربما فارغة كمبنى زجاجي أنيق جدرانه الداخلية مطلية بالجير وفارغ الأثاث.
يرتدون تيشورت ليتحدثوا الإنجليزية ويرتدون كرافاط ليتحدثوا الفرنسية ثم يأكلون الباسطا ليتحدثوا الإيطالية هكذا هم المغاربة فثقافة المظهر أصبحت فيروسا يستنشقونه كما الأوكسجين فيعاملون بعضهم البعض حسب المظهر، يُظهرون أنهم أصحاب مكانة فقط بأخذ صورة ببذلة قرب سيارة فاخرة أو لباس كاجوال ليُظهروا أنهم كول..
إنهم يسعون وراء تحسين مظهرهم دون الإلتفات إلى ما هو أساسي جوهري لذا ليس من الغريب أن تجد فتى لباسه وتسريحة شعره حتى هاتفه على الموضة ولا يزال يؤمن أن المرأة عورة يجب سترها وأن شرفه يكمن بين فخذيها..
كما أنه من الطبيعي أن تصادف فتاة بفستان جميل وطلاء أظافر أجمل وشعر كورلي تؤمن أن دورها يتلخص في كونها جسدا يحمل فرجا يلد ويقدم المتعة ليلا، بل الأكثر خطورة أن تجد شخصا لا يزال يطلق على الدول العظيمة اسم كفار مع أنه يحاول أن يكون نسخة عنهم ويستعمل كل ما وصلوا إليه من وسائل ولو قارنا بينه وبينهم لكان هو الكافر.
مع هذا التقدم الخارجي أتمنى لو تم اختراع برامج فكرية تحمل على عقولنا كي نتمكن من اقتنائها كما نقتني الأحذية إنه لأمر مؤسف أن نقلد الغرب في لباسهم وطريقة حديثهم ظنا منا أن هذا هو الرقي والتعامل بتكبر وتبجخ في حين ننسى أن نقلدهم في ثقافتهم ووعيهم الذي وصلوا إليه ورغم ذلك يظلون على طبيعتهم، فلنأخذ منهم ثقافة المطالعة والقراءة البحث والاكتشاف لننمي عقولنا ارتقاءا بالفكر والذات ولنطهر أرواحنا وليس عيبا أن نتحدث الدارجة أو لغتنا الأم بل العيب أن نتحدث لغة شعب مثقف ونحن نغطس في الجهل حتى الركب.
