عذرا يا قدسي وما يعني اعتذاري، يا زهرة المدائن يا مقلة الفؤاد كيف السبيل إليك وقد صار النفاق يرقص في الساحة وحده ويتبجح بنفاقه، يا مدينة الزيتون كيف ضيعوك وخذلوك!!
تغيب شمس الأمم ويأفل نجمها عبر التاريخ وأمة الإسلام باقية رغم أنفهم، إنما تمرض وتكاد المنية تنشب فيها أظفارها ثم يأتي من يخلصها ويلقمها ترياق الحياة وشعلة النور من جديد.
ولنا في التاريخ العبر الكثيرة فليست المرة الأولى التي نفقد فيها القدس ولا الثانية ولا الثالثة، وهذه ليست دعوة إلى التخادل وترك الأوضاع على ما هي عليه حتى إشعار آخر، بل هي بث للأمل في النفوس المريضة وزرع شعلة في قلب المسلمين لعلها تشتعل نورا يوما ما.
ولن نفقد الأمل ما دام فينا عرق ينبض ونفس تزفر، لكنه يحز في نفوسنا أن نترك لأبنائنا هذه الحقبة من التاريخ المشوه عن المسلمين وكيف خذلوا القدس وسلموها للصهاينة المعتدين.
الصهاينة الذين لم يتركوا شيئا إلا فعلوه من أجل أرضهم الموعودة، مشروع متكامل منذ إعلان وزير الخارجية البريطاني أرثر جيمس بلفور عن وعده للصهاينة في الثاني من نوفمبر سنة 1917 إلى إعلان هذا الأرعن دولاند ترامب في السادس من دجنبر سنة 2017، قرن متكامل من الكد والخداع والوعود الفارغة لأجل قضيتهم، وما زال الأمر لم ولن ينتهي بعد حتى يحققوا حلمهم المزعوم مملكة إسرائيل من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر..
في المقابل نجد الأمة الإسلامية تعيش عصر النفاق الأكبر، تخالف مخز وذل قل نظيره وتشرذم بين الطوائف وتمزيق ما هو ممزق وتفكيك ما هو مفكك، كيف لأمة هذه حالها أن تفكر في تحرير فلسطين، وإنما يكفينا أن نبكي على الأطلال ونصدر ألبومات عما فقدناه، حتى إننا لا زلنا نبكي على الأندلس ونغني لها، وقبل أيام بُعيد إعلان ترامب وجدت إحدى المغنيات على موقع تويتر تقول: على فناني العرب أن يصدروا أغنية فورا من أجل الأقصى..
نعم هكذا سنحرر فلسطين كما ضيعنا الأندلس! لكننا لن نستسلم فبوادر النصر والتفوق تلوح عبر الأفق من جديد. أنا وأنت لا نملك شيأ لتغيير الواقع بشكل ملموس لكننا نملك تغيير أنفسنا، هكذا بخطوات قليلة ثابتة سنعود لنكون حقا رجالا..
آه يا صلاح الدين يوم حررت بلاد الشام ومصر والعراق ودمشق والقدس من يد الفرنجة قلت: لن يرجعوا إليها ما دمنا رجالا، ها قد عادوا ووقفوا عند قبرك وقالوها بملء فيهم ها قد عدنا يا صلاح الدين. أنت الذي عندما سألوك لماذا لا تضحك؟ قلت: أستحيي من الله أن أضحك والقدس في يد الفرنجة..
فها هي الأمة الإسلامية في ردة ولا أبا بكر لها، وها هي حملة صهيونية جديدة ولا صلاح الدين لها، وها هي حملة تترية جديدة ولا قُطز لها..
لكن عزاءنا في الشعوب المسلمة إن صح لنا عزاء فيها أن تتحرك ولا تنسى القضية الفلسطينية، وألا تكون هذه نقطة سوداء أخرى تمضي على الأمة وتتلاشى عبر الزمن.
واقرأ التاريخ ينبئك ما فعله الشعب المسلم في العراق والشام من الضغط على الحكام من أجل التحرك لوقف الزحق الفرنجي على بلاد الشام وخاصة القدس.
واقرأ التاريخ يخبرك عن دور العلماء في تحريك الرأي العام صوب الحق، ما فعله العز بن عبد السلام مع سيف الدين قطز في الحملة التترية الأولى وكيف قضى عليهم في موقعة عين جالوت.. وما صنعه ابن تيمية في معركة شقحب في الحملة التترية الثانية..
وقبلهما ما صنعه الوزير العادل نظام الملك الطوسي من تأسيس المدارس النظامية من أجل تكوين قادة الأمة فكان منهم قادة عظام من أمثال نور الدين محمود وعماد الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، وهذه نماذج قلائل من تاريخنا العظيم. فتاريخنا ليس له نظير والله يا أمة الإسلام…
هذا وأوجه دعوة لكل من يقرأ هذا المقال وخاصة الشباب واجهة الأمة وحملة الراية غدا؛ أن لا ننسى أمر فلسطين والمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى نبينا محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه والدعاء له بحرارة وشوق، وهذا ما استفزني لأخط هذا المقال على عجالة، فكم من قضية مرة على الأمة واشتعل لها المسلمون حماسا ثم رويدا رويدا يخبو أمرها وتتلاشى مع مرور الأيام، القدس يسري في عروقنا، من أهم مقدساتنا الإسلامية، لا مجال لنسيانه ولا عذر لمن خذله.. وتمضي الأيام..