شخصيات تونسية

الوطن الضاحك: إشراقة مع الفنان الكوميدي نجيب موسى

أنا مصنوع من شمع لاري، وأنت مما صنعت؟”، يسأل تيودور روزفلت، على وجه التحديد تمثاله الذي يبعث للحياة كل ليلة، حارس المتحف لاري الذي يقف عاجزا أمام عملية سرقة في أحد مشاهد فيلم “ليلة في المتحف”.

بعض التفاصيل لها حقا جمال استثنائي -ﻓﻸﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺗﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﺒﺔ ﻋﻦ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ صلاة التوق تلك- هي ربما مثل ﺍﻟﺘﻘﺎء ﺍﻟﺒﺤﺮ، بحرنا، ﺑﻤﻨﺰﻝ ﻓﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ… ﺗﻐﺮﻳﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺸﻲ ﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺿﺎﺋﻌﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ…
ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺻﻐﻲ إلى ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ تلك وأن ﺃﻟﻌﺐ معها ﺩﻭﺭ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻷﻭﺭﻛﺴﺘﺮﺍ، ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ…

لطالما أحببت تلك الأنوار البرتقالية المبعثرة وسط الظلام، تبدو كحبات برتقال تطفو على سطح البحر، علمتني ذات مرة أن السباح المتمرس يحافظ على برودة أعصابه حتى إذا انتفض البحر… جالسا في المقعد المجاور للسائق أتابع النظر إلى المصابيح البرتقالية المتواجدة على طول الطريق، يخاطبني بين الفينة والأخرى ممازحا، شاب في بداية الثلاثينات من عمره، ذو بنية جسدية متناسقة، زادت من وسامته ابتسامة تضفي على عينيه البنيتين وتسريحة شعره “الترافولتا” ألق له مفعول السحر حتى على قلب طفل في الرابعة من عمره، ومنذ ذلك الحين أحفظ ذاك الشخوص الراقي للإنسان عن ظهر قلب…

نجيب موسى، من مواليد 4 مارس 1965 أصيل مدينة رأس الجبل شمال البلاد التونسية. على الضفة الجنوبية للمتوسط تشبع من جمالية المنطقة الزاخرة بثرواتها الطبيعية والبشرية التي أسهمت في بناء شخصية مميزة يلتقي فيها بياض البحر بظلال الصنوبر وشموخ جبال الأطلس.

شكل الظهور التلفزي الأول للفنان الكوميدي نجيب موسى في برنامج “شموع الركح” سنة 1998 محطة رئيسية في مسيرته الفنية الثرية التي عرفت عدة تطورات تجسدت بوضوح في مشاركاته المتنوعة في عدد من الأعمال التلفزية والإذاعية ونذكر منها: برنامج “القلابس” على التلفزة التونسية سنوات 1998- 2000، المسلسل الإذاعي “آش يملاك يا عين، آش يملاك يا قفة”، اسكتشات “العروي” على اذاعة موزاييك، سلسلة “قداشنا لوجيك”، “اللوجيك الرياضي”، “اللوجيك السياسي” وكتابته سلسلة “ذوق وتذوق” التي بثت في ثلاثين حلقة على أمواج الإذاعة التونسية إضافة إلى ظهوره في عدد من المنوعات والبرامج الأخرى.

لاري، وفي مشهد مؤثر من فيلم “ليلة في المتحف” يجد نفسه أمام خيارين:

العجز أمام عملية السرقة وانتظار الصباح ليطرد من عمله وكنتيجة لذلك خسارته لابنه الذي يمضي ليلته تلك برفقته، أو التشبث بما تبقى لديه من حظوظ و إعادة الأمور إلى نصابها.

سؤال “روزفلت” الاستفزازي كان نقلة نوعية في القصة، لاري يفكر أنه إنسان حي من تراب وروح وبمساعدة من متساكني المتحف بعد أن تبعث فيهم الحياة بواسطة لوحة سحرية ما يضع نهاية للفوضى، لاري في النهاية ينتصر…

هل فكرت مرة أن الكوميديا والفنتازيا ما هي إلا محاولات فهم أشد عمقا للواقع من المنهج الواقعي؟ وأنها أكثر فاعلية في إيصال رسالة السلام المنشود للإنسان، كل الإنسان؟

حسن، أنا من المؤمنين بذلك وأعرف حق المعرفة إنسانا يشاركني هذا الإيمان، لا داعي أن أذكر مرة أخرى أني أحفظ شخوصه الراقي عن ظهر قلب منذ أربع وعشرون سنة… هو نجيب موسى، التجلي الواقعي، الوسيم طبعا، لبطل العمل الفني “ليلة في المتحف”.

البرتقال إذا فقد قشرته يهوي إلى قعر البحر، يخبو ألقه وتبتلعه الظلمات، يفنى حقيقة وحلما… لكني أرى تلك الحبات المتناثرة تطفو إلى أعلى بالرغم من الأنواء، ولأن المنارات لا يمكن أن تقام إلا على اليابسة فهي تضيء في عرض الأبيض المتوسط، وستبقى…

هكذا نحن، نسامر القمر ونحتفظ به في دواخلنا، حتى لو كان بعيدا…

إلى ألق ومعنى قادم..

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

محمد أمين المكشاح

كاتب، مدون، تقني سامي في الجودة الصناعية، متحصل على شهادة بكالوريا آداب، خضت تجربة العمل الصحفي لبضع سنوات أجريت خلالها عددا من الحوارات المكتوبة مع شخصيات سياسية وقانونية... أوليت الساحة الثقافية والفنية الجزء الأكبر من إهتماماتي إلى جانب إنتاجي الأدبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى