تخيَّلْ أنَّ نفْخةَ البعْثِ قَدْ جاءَتْ
والشَّمسُ أُزيلَ نورُهاَ وغابَتْ
الجحِيمُ بُرِّزتْ وبانَتْ
والنُّجومُ تساقَطتْ وتَهاوتْ
سُيِّرتِ الجبالُ وزالَتْ
والبحارُ بحراً واحداً صارَتْ
قلوبٌ يَومئذٍ بالخوْفِ فاضَتْ
وتمَّنَتْ لَوْ أنَّها ثَابتْ
وجوهٌ مُّسفِرةٌ بالإِشراقِ أضَاءتْ
وأخرَى كدُورَةٌ غشتْهَا الظُّلمةُ وبها أحَاطتْ
وأمامَ يدَيْ اللَّهِ وقفَتْ وصَفَّتْ
تصَدَّعتِ السَّماءُ وانشَقَّتْ
ولِرَبِّها أَذِنتْ وحُقَّتْ
سُوِّيتِ الأَرضُ ومُدَّتْ
وأَلقتْ ما فِي جوْفِهَا وعنهُ تَخلَّتْ
ترى كتابَ الفُجَّارِ فِي ديوانِ الشَّرِّ مُثَبَّتْ
وكتابَ الأَبْرارِ في ديوانِ الخيْرِ مُثَبَّتْ
يَوْمهَا يَصْلى الكافِرُ ناراً سُعِّرتْ
ومنَ المُؤمِنِ الجنَّةُ قُرِّبتْ
تخيَّل أنَّ ساعةَ الحشْرِ اقْترَبتْ
والشَّمسَ منَ المغيبِ شرقَتْ
روحُكَ إلى خالِقِها انْبعثتْ
ولِوصولِ حينِ عقابِها انتظَرتْ
لِولْهةٍ شريطَ الحياةِ تذَكَّرتْ
وإلى طُغيانِها وغُلُوِّها نظَرتْ
تَمنَّتْ لوْ أقامتِ الصَّلاةُ وزكَّتْ
ولِآياتِ الذِّكرِ الحكيمِ رتَّلتْ
تمنَّتْ وتمنَّتْ وتَمنَّتْ
وباسْتِحالةِ تحقُّقِ مُتمَنِّياتها اقْتنعَتْ
تخيَّل أنَّ كتابَكَ أُوتيتَهُ بيَمينِكْ
وقيلَ: طوبى لكَ الْجنَّةُ منْ نصيبِكْ
اغْروْرقتْ عيناكَ بدُموعِكْ
وطارَ فُؤادكَ من شوْقِكْ
لهذِهِ اللَّحظَةِ طالَ انتِظارُكْ
ومِن أجلِ تحقيقِها دامَ صبرُكْ
هاقدْ نِلتهاَ يا لَفَرحتَكْ
وذُقتَ نعيمَها يا لَهنائِكْ
من أنهارِها الجارِيةِ رَويتَ ظَمَأَكْ
ومِن قطوفِها الدَّانِيةِ سدَدْتَ جوعكْ
تخيَّلْ أنَّ كتابَكَ أُوتيتَهُ بشِمالِكْ
وقُلتَ يا لَيْتها كانَتِ القاضِيةُ قبْل ذلِكْ
لمْ يُغني عنكَ مالِكْ
فأصْبحتَ لا محالَةَ هالِكْ
ها أنتَ مُقيَّدٌ وطريقَ جهَنَّمَ سالِكْ
ستذُوقُ فيها طَعمَ عذابِكْ
نتيجَةَ تكَبُّرِكَ وطُغيانِكْ
لمْ تُؤمِنْ باللَّهِ المالِكْ
وظنَنْت أنَّك لمفاتيحِ الدُّنيا مالِكْ
فاسْتمتِعِ الآنَ بهلاكِكْ
مثْلما استَمتَعْت باتِّباعِ شهواتِكْ
تخيَّل أنَّ يوماً ما سيأْتي أجلَكْ
وستُفارِقُ أصحابَكَ وأهلَكْ
سيكونُ التُّرابُ مسكنَكْ
وسَتُلفُّ بثوبٍ أبيَضَ ليَستُرَكْ
ستأْخذُ معكَ فقَط عملَكْ
فوَصيَّتي لك بالحِفاظِ على صلاتِكْ
فهيَ أوَّلُ ما ستُسألُ عنهُ يومَ حسابِكْ
حذارٍ من هجْرِ قُرآنِكْ
فهوَ مُنيرٌ لِعتمَةِ قبرِكْ
وخيرُ شفيعٍ لكَ عندَ ربِّكْ
ناهيكَ عنْ إبغاضِ أُمِّكَ وأبيكْ
وحذارٍ من مالِكَ وبنيكْ
هما عدوٌّ قدْ يُلهيكْ
عنِ اللَّهِ الذي يُغنيكْ
كُن مع الذي يُميتُكَ ثمَّ يُحييكْ
ربُّ العرشِ العظيمِ الذِّي يأويكْ
ومنْ كُلِّ شرٍّ يحميكْ