في بعض الأحيان -هذا إن لم يكن كثيرا- تبدو الحقائق من حولك واضحة جدا لحد لن ينازعك في وضوحها أي منازع، غير أنك وسط كل هذا تضع نفسك أمام خيارين، هل تحسم الأمر على ما هو عليه، أم تتجاهل الحقيقة بمحض إرادتك، أن تتغابى مثلا وتختار أن تكون في موضع الضعف بالإتكاء على تبريرات تقتات من ضعفك لتحظى بأطول فترة معهم ليس إلا…
أمام كلا الخيارين تختار فعلا، ولكنك تختار الأسوء منها وتعتقد أنها الأنسب على الإطلاق، تصدق أنك على صواب بالرغم من تيقنك أنك لست كذلك..
تراوغ وتتلاعب بالحقيقة الواضحة جدا وتجعل منها حقيقة مبهمة، غير واضحة، لا وجود لها من الأساس..
تختار أن تقتنع بما أنت غير مقتنع به، تصغي للأصوات المتضاربة بداخلك، تخرس الصائب منها وتلغيه، وتنصت للخطأ وترضيه على حساب حجج واهية، على حساب أطراف من المحتمل جدا أن يخذلوك والذين هم في حقيقة الأمر خذلوك ومع ذلك أنت مازلت تراوغ، مازلت تتلاعب بالحقيقة من أجلهم، من أجل البقاء معهم، لأنك اعتدت أن تعيش بهم واستعصى عليك أن تحمل نفسك بعيدا عنهم لتعيش بدونهم.
هل لاحظت أنك لآخر نفس مازلت تحافظ عليهم وتخشى الانفصال عنهم؟ هل لاحظت أنك اخترت أسوء الخيارات حينما قمت بتجميل قبح حقيقتهم؟ هل لاحظت أنك بالرغم من كل الحقائق التي اكتشفتها عنهم وواجهت نفسك بها مازلت مصرا أن تبقى معهم لتفقد نفسك من خلالهم، أن تكسبهم وفي المقابل أن تخسر ذاتك؟
هل يستحقون أن تعيش في معمعة الكذب والزيف المطلق؟
هل يستحقون أن تعيش معهم كل هذا التخبط؟ كل هذا الألم؟
هل يستحقون منك أن تفقد شعور احترامك وتقديرك لنفسك؟
لقد هنت عليهم في كل مرة، فما بالك مازلت مصرا أن تستمر معهم وأنت تعلم كل هذا؟
استيقظ فأنت غير مجبر على ذلك.
الآخرون الذين تتشبت بهم في كل حين رغم الحقائق التي لا مفر لك منها سيأخذون من عمرك الكثير والكثير..
فكفى، كفى أن تجعل من وجودهم الحياة برمتها، في الوقت الذي يعتبر فيه وجودهم هو جزء من حياتك لا كلها، إن وجدوا فيها فأهلا ومرحبا وإن لم يوجدوا كن متأكدا أن الحياة لن تتوقف على أحد منهم.
كفى أن تهفو إليهم بالرغم من اشتداد متاعبك بقربهم، كفى أن تبدد أخطائهم بقيود الحب التي تجمعك بهم خوفا من خسارتهم..
أمام مجمل الخيارات دائما احسم قرارك باختيارك لنفسك وتفضيلك لذاتك، تراجع بقلبك وتقدم بعقلك… لا تسمح لك أو لهم باحتقارك، أو إهانتك.
ارفع لهم راية السلام ليذهبوا أخيرا فهم طلقاء، قلبك ذاك أسمى من أن يتحول لمحطة عابرة لتفاهات طيشهم، لبخل مشاعرهم، لكثرة أخطائهم، لسوء معاملتهم، لإهمالهم ولامبالاتهم، لجراحهم المتكررة، لأذيتهم المتواصلة وانعدام أحاسيسهم..
لا تخضع لأحد مهما كلفك الأمر، لا تنجرف وراء كل ما يعتريك نحوهم.. لا تضعف أمام ما تكنه لهم من حب صادق يدفعك في كل مرة لتنازل محرج لا يعد ولا يحصى، وقد يدفعك لأن تكون الطرف المعتذر في حين أنت الطرف الذي يستحق الإعتذار.. تحبهم لا بأس، ولكن قبل ذلك تعلم أن تحب نفسك أولا، أن تحبها أكثر من حبك لهم، أن تعلي من شأنك عوض أن تنتقص منك.. تعلم أن تعيش لنفسك، أن تختلط بالناس قدر ما شئت دون أن تجعل منهم أساس حياتك تعيش بهم ولهم ومن أجلهم..
تعلم أن تجعل من وجودهم لطيف ولكن غيابهم لا يضر.. انزع عنك غطاء الضعف المقيت وازرع في ذهنك أنك قويا بهم وبدونهم تماما كما زرعت في قلبك فكرة أنك تحبهم حبا جما ولن تقوى على ما تبقى من حياتك إلا بوجودهم.
تعلم أن تكون حاسما في قراراتك، قويا في خياراتك، منطقيا لا عاطفيا، تسير خلف عقلك مغمض العينين مطمئنا، لا خلف قلبك نحو الهاوية مرتعبا.