الاكتئاب هو السبب الأساسي للانتحار، عندما يمر العُمر بنا نكتشف أشياء ووجهات نظر كنا متشبثين بها أصبحنا نراها بمنظور آخر، وبسببي تعايشي في الواقع أكثر، لم أجد الآن ذلك التعصب والحدة التي كنت أجدها في نفسي عندما أتكلم عن الاكتئاب وأصحابه، ونظرتي لهم بأنهم مُدعون مبتعدون عن الله سبحانه وتعالى مقصرون في حق أنفسهم وغيرهم ممن يعيشون حولهم، أجدُني الآن أتألم كثيراً عندما أسمع عن الاكتئاب وعن الذين يتقلبون فيه، يريدون مَنْ ينتشلهم منه بالحكمة والطرق الواعية والسليمة.
الواقع امتلأ الآن بكل الأسباب المُسببة للاكتئاب. وفرض الوحدة والعُزلة على النفس رغبة في الابتعاد عن أي تصادمات حياتية لا تقوى عليها النفس.
طبائع البشر تختلف عن بعضها البعض وقوة تحملها وطريقة معالجتها للأمور، فهناك نوع لا يستطيع العيش في جو من الضغط والمسؤولية الكبيرة، فيضطر إلى الهرب والابتعاد لأن قدرته لم تستطع تحمل ذلك العبء والمسؤولية المفروضة عليه، فيبتعد ويعيش في دوامة من الأفكار والاتهامات لنفسه بالضعف والدونية، ولأن دوامة الحياة الآن تبعدنا عن بعضنا البعض فلا يوجد مَنْ يستوعب الآخر فيفرض كل منا على الآخر أشياء بدون أي مراعاة لإنسانية هذا الشخص او ذاك، فليكتئب مَنْ يكتئب، ولا نشعر بالأسى إلا بعد فقدان عزيز وإدراكنا لذلك الخطأ الإنساني لا يأتي إلا بعد فوات الأوان.
وهناك نوع آخر ليست المشكلة عنده في كمية ما يتحمله ولكن المشكلة هو عدم وجود ذلك الشيء الذي عليه تحمله بمعنى شعوره أن لا جدوى منه في هذه الحياة، هكذا يشعر أنه بلا هدف، فيدخل في موجة من الاكتئاب وعدم تقبُل فكرة وجوده على هذه الحياة فيشفق على الدنيا التي تحملته فيخلصها منه بالرغم من أنه إذا وجد يد تدله على الطريق تربت على كتفه تُشعره بفائدة وجوده، تُعرفه بأن كل شيء على هذه الأرض ما دام أوجده الله سبحانه وتعالى في الحياة إذاً له فائدة، له دور، ولكن الجميع منشغل لا يستوعب كل منا الآخر ولو قليلاً.
وهناك أنواعاً كثيرة تُخبأ في أنفسها الكثير ولا نعلم بوجودها إلا بعد أن تأخذ ذلك القرار الذي يحكم على من حولها بالفراق الأبدي تاركة إياهم بين ويلات الندم والحسرة على عدم الاحتواء، عدم الاستماع لبعضها البعض فدوامة الحياة لن تنتهي إذا خصصنا القليل من أوقاتنا لأسرتنا لأصدقائنا حتى لمن يريد أن يبكي يشتكي ويتألم، فذلك هو الهدف من كلماتي تلك هو أن نسمع بعضنا بعض أن نُلين الكلام حتى نعين بعضنا البعض على تحمل تلك الدنيا بحلوها ومُرها. فإذا كنت سبباً في إسعاد أحد ممن حولك ستعود إليك تلك السعادة وتكون قد أنقذت إنساناً من هول الاكتئاب وويلاته.
وكفانا ترديد تلك الكلمات التي تصغّر وتقلل من الاكتئاب وآلامه لأنه وكما يعلم الجميع فإن كل ما له علاقة بالنفس أقوى بكثير من كل ما له علاقة بالجسد. وأخيراً علينا أن نبتعد عن كل ما له علاقة بالأفكار السلبية التي من المؤكد ستقودنا إلى الاكتئاب ومضاعفاته وفي قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلينا أن نستصغر الدنيا وما عليها من متاعب، فما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أن الصابرين عند الله سبحانه وتعالى لهم خير الجزاء.