لم يمر تأهل المنتخب المصري إلى مونديال روسيا 2018 بعد غياب دام ثمانية وعشرين عاما ولا خروج المنتخب السوري من الملحق أمام أستراليا مرور المباريات العادية.. فقد أحدثت المباراتان ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية بالبلدين الذين يمران بأصعب المراحل السياسية في تاريخهما المعاصر ويحكمان بالحديد والنار.
الضجة الأولى كانت بمصر حين أعلن الجنرال السيسي مكافأة قدرت بمليون ونصف جنيه مصري لكل لاعب من لاعبي المنتخب كهدية من الرئيس المصري على ما أنجزه اللاعبون وقد حققوا ما لم تحققه أجيال كروية مصرية كانت مميزة وخاصة جيل أبو تريكة وحسن شحاتة.. القضية أثارت الجدل خاصة وأن السيسي كان عذره دائما موجود في الإجراءات التي تخذها ضد الشعب المصري من غلاء الأسعار وإلغاء الدعم وتعويم الجنيه.. “نحن فقراء أوي! وميزانية مصر تمر بمراحل صعبة وعلى الشعب تحمل عواقب المرحلة..”، فكيف يصدر الرئيس نفسه قرارا كهذا وبمكافأة تقدر بملايين الجنيهات ربما يحتاجها المواطن البسيط أكثر من ذي قبل.
هل تحاول الدولة المصرية ركوب الفرحة وسرقة الإنجاز الكروي لرفقاء الملهم محمد صلاح وحيازة التأهل كإنجاز للرئيس السيسي قليل الإنجازات بحسب كل المراقبين.
ولم تكن قضية المكافأة لوحدها التي أقامت الدنيا في مصر بعد التأهل بل عادت قضية أبو تريكة للواجهة.. فكيف يتم منع نجم بقيمته من حضور مباراة كهذه؟ وأبو تريكة من هو في الكرة المصرية؟
الضجة الثانية كانت دمشقية فسوريا الأسد كانت على بعد خطوة من العبور للمرحلة الأخيرة من تصفيات موسكو لولا هدف أستراليا القاتل.. والجميع احتار في تشجيع المنتخب السوري المدعوم من نظام الأسد والذي خرج نجمه السومة بكلام موسم مفاده.. “لو لم أكن لاعبا للمنتخب لوددت أن أكون مجندا في الجيش السوري.”
فخلط السياسة بالرياضة في لحظة نسيان أو تعمد أنست الجميع سوريا وتذكروا لحظتها الأسد وجرائمه، حتى أن البعض تصور أن من كان يلعب هو بشار الأسد ووليد المعلم والجعفري لا فراس الخطيب والسومة وخريبين.. السياسة أنست السوريين كل شيء وأفقدتهم نكهة الكورة وجنونها.
حتى أن بعض المعارضين لنظام الأسد أطلقوا على المنتخب لقب منتخب البراميل المتفجرةم ولهم عذر في ذالك.. فما نزفت سوريا من دماء في سنوات الألم والدموع من المستحيل أن تمسحه كرة مستديرة في 180 دقيقة من الركض خلفها.. ما في سوريا أكثر من تسديدات الخطيب وأكبر من السومة.
إنها السياسة تحكم العالم كله اليوم ولها حسابات أخرى غير الحسابات الرياضية.
إنها الرياضة حين تختلط بالسياسة لتفقد نكهتها وجنونها وبريقها وحماسها والكثير من تشجيعها.
العلاقة بين الأهداف الكروية والأهداف السياسية كالعلاقة بين الملاعب الرياضية التي هي جزء من الدول وبين الدول التي حولها كبار السياسيين إلى ملاعب يسجلون فيها أهدافهم السياسية ونحن فقط من نقف في الشباك ونتلقى الأهداف واحدا تلو الآخر ودون أن يسمحوا لنا بوضع خطط للعب سواء كانت دفاعية أو هجومية.
علينا فقط تقبل الخسارة وبكل روح رياضية، وإلا كان عقاب من يتحكمون في اللعبة سياسية جاهزا.
إنها علاقة مشبوهة بين الرياضة والسياسة تنتصر فيها السياسة غالبا وتسجل فيها أهدافها رغم أنها تلعب في أرضنا.
أبعدوا الرياضة عن السياسة واتركوا لنا شيئا ينسينا متاعب السياسة وأثمانها الباهظة التي ندفعها كل يوم.
وفي الأخير نهنئ مصر ومنتخبها لتأهلهم للمونديال فقد انتظرنا رؤيتهم في كأس العالم، وبانتظار المغرب وتونس بعدما أسعدتنا السعودية.