الإنسان! هي الكلمة التي تجعل الفرد البشري محتارا بين ما هو عليه، وما هو قادر على بنائه، هي الكلمة السر في هذه الحياة، حين تعلو مجريات الروح بعيدا، لتتخذ بعد ذلك أهمّ وأبقى المواقع طلبا للبهاء والمؤثرات الغنّاء؛ فلطالما توهم الإنسان حياته، وأخذت بيد عقله الكثير من الأحلام، عاشها دون وقوعها، ثمّ تداعت أمام عينيه بشكل غريب للغاية، ليسقط هذا البشري في حفرة الدهشة بشكل حرّ للغاية.
لا تكن غريبا وأنتَ تحاول العبور ناحية الضفة الأخرى، فعندما تقصي الحياة موجات بقائها، تصبح الأماني مجرّد لغات عقيمة، عندها تتوه كلّ معلقات الروح بين مفردات القرارات والعلاقات بشكل مضطرب، هذه الحالات تستطيع التأخّر بشكل مريب، لكنها ترفع من درجات محسوبية العلامات الجزافية بشكل عالي الوضوح، حيث تزاول المهمات المختلفة انطلاقا من ترجمات موحدة ولكن بألسن متعددة.
بمنتهى الجلاء، يحاول الإنسان تفادي إنسانيته في الكثير من المواقف، يبكي ويتعب وهو يحاول الاستئناس بما لديه من تصورات، وهذه بالذات أعمال تغطي ما بقي للإنسان من أمل، إذ يبقى الفرد الإنساني متعلقا بالقشة التي لا تحمي ذاتها، طالبا منها الحماية بشكل لا رجعة فيه، هذه الأمور لا تخفى عن أحد منّا، لكننا نقع فيها بالشكل الذي يجعلنا نتعجب كل العجب، هي حالات تضطرب بالشكل الغريب، لكنها تعاود الرضوخ في آخر المطاف لحضرة لا مجال لإدخالها دوائر الشكوك، كونها حاضرة فينا.
تأمّل الروح هو استثناء لا مجال للاقتراب منه، هو قطيعة تعاصر الحياة لتعصرها، ثم تدور حول مركز هام من التداخل والتقلّب بشكل لا يتوقعه منا إلاّ واسع الذهن وعميق الخاطر، لا يمكن للفشل أن يصدّ الفرد عن الأخذ بتقلبات الحياة رغبة منه في ابداء ما له من صلاحيات وعضلات، لكن ضمن دوائر الخطر، يصبح كل ما كان ممنوعا مسموحا، بل محمود الوقوع على الكيان البشري مهما تكلّف من ثمن.
على تلك الضفّة الغريبة يقع الإنسان وحيدا، مغلوبا على أمره وغير مدرك لما ينتظره، هو عذاب اللحظة الزاهي بشكل جميل ومؤلم، فلا يمكن للإنسان أن يخطو خطواته بعيدا عن أمور بدت في الكثير من المحطات ألغازا لا مجال لحلّها أو تفحصها بالمرة، ومع ذلك لها من المعاني ما يغنيها عن كافة الدواليب والمسارات.
عالمنا اليوم ككل عالم سبقه، له من الصعوبات ما تجعل الحياة كومة من الأشواك التي نمت على بساط طرقنا اليومية، ومع ذلك لنا الحق في الحياة، في العيش، وفي ملامسة مشاعرنا العارية بكل حرية، لهذا لا سلطان للعقل على الشعور المتمرّد، ولا حياة للعقل بلا احساس لطيف يخفف من الوطأة التي تصيب الإنسان في مقاتله.
جيّد أن ندرك المخاطر، لكن من الغريب ومن الصعب أن نستسلم لوقعها علينا، فالبشرية لا تملك حق الرضوخ، فهي أقوى من أن ترضخ، وهي أكثر جرأة من أن تهون أمام الضربات المتكررة لكل ما هو معادي للحياة، لقد وصلنا إلى هذه الأيام مرغمين لا مخيرين، لهذا علينا أن نعيشها حتى النهاية، بل لا نملك حتى توقيت هذه النهاية، لأننا في النهاية نمثل قوة الضعف وضعف القوة.
لا أعتقد بأنّ هناك ما يجعل الحياة سهلة أكثر مما يوجد بالداخل الإنساني، فلا مناص من مفارقة الشعور البشري، لأن زوال المشاعر هو تحوّل آلي للإنسان إلى مجرّد بشريّ أداة، وهذا ما يدخل الفرد في صراعات روحية رهيبة تنتهي بمنفاه المؤلم، وما أشدّ الألـــم عندما يصدر الروح المجروح، وما أصعب الأيام حين تخلوا من المؤثرات العميقة لكل ما هو شاعريّ على كلّ ما هو إنسانيّ.