مدوناتمدونات الرأي

في ديار الفلسطيني فن

الأمم بنايات وإن صحت الأسس صح البنيان ورسخ مهما عاث به الزمن فسادًا.. من أهم تلك الأسس التراث وبخاصة التراث الشعبي الذي يمثل جزء كبير من أصول ثقافتها، ومن أهمها الأغاني أو الفلكلور المثقل بكثير من الشعر، والملابس، والأغاني.

أما عن الفلكلور الفلسطيني فهو مفعم بكثير من الحكايات وقصص الأبطال وتاريخ الثورات والمأكولات والمواويل وأخرى أغلبنا يعلمها ويعشقها، وهذا الذي يحاول الاحتلال أن ينسبه لذاته منذ النكبة.

وتجسد الأغنية الفلسطينية الشعبية أهم أعمدة التراث فهي توضح التاريخ والمعاناة، وتقص مشاهد عذاب، وفرح وترسم العادات والتقاليد داخل المجتمع الفلسطيني. أيضًا تدفع الحماسة والوطنية بالنفس ومدى اعتزاز الفرد بأرضه وأهله..

وللأغنية الفلسطينية عدة خصائص كما وضعها الدكتور أحمد مرسي حسب ما نقل “مركز المعلومات الوطني الفلسطيني”:

1. أن الأغنية الشعبية يجب أن تكون شائعة؛ ولكننا يجب أن نحترز، فليست كل أغنيه شائعة شعبية بالضرورة.

2. أن الأغنية الشعبية تنتقل عن طريقة الرواية الشفوية؛ ما أوجد نصوصاً عديدة للأغنية ذاتها.

3. تبلغ أوج ازدهارها في المجتمعات الشعبية؛ حيث لا يوجد لها نص  مدون سواء كان هذا النص شعرياً أم موسيقياً.

4. أكثر محافظة على الأسلوب الموسيقي الذي تستخدمه بالقياس إلى غيرها من الأغاني.

5. أن سمة المرونة التي تتسم بها الأغنية الشعبية تساعدها على الديمومة، فتظل محفورة في ذاكرة الناس وتتعدل باستمرار لمواجهة الأنماط الجديدة في الحياة.

6. أن أسماء الذين ألفوا الأغاني مجهولة تماماً عدا المحترفين الذين يكتب لهم مؤلفون أغاني ومواويل خاصة بهم.

7. أنه يمكن إضفاء صفة الشعبية على الأغاني التي أبدعها فرد من الأفراد ثم ذابت في  التراث الشعبي الشفاهي للمجتمع (انخراط الأغنية في التراث الشعبي).

8. أنه على الرغم من الانتقال الشفاهي والجهل بالمؤلف اللذين تتصف بهما الأغنية  الشعبية عامة إلا أنه لا يمكن الجزم بعدم وجود مؤلف معين أو نص معين لبعض الأغاني الشعبية.

لذلك الفلكلور الفلسطيني له لذة من نوع آخر، فكما سبق وقولنا أنها ترسم الرواية كاملة دون أن يسقط منها مشهد وهذا باختلاف أنواعها وأساليبها وموسيقاها التي غالبًا لا تبتعد عن الدفوف والعود والقانون أحيانًا.. ومن المميزات التي جذبتني أثناء الإستماع لها:

– قصر الجمل وبساطتها؛ مما يسهل على المستمع الحفظ بسهول ويقرب له المعنى.

– قرب اللكنة الفلسطينية للغة العربية الفحصى مما يجعل للمعنى أثر جميل عندما يقع على المسامع فيترك أثر جميل على النفس.

– ارتباطها الشديد بالثقافة الفلسطينية والتاريخ، وما مر على أهلها من سوء فعل الزمن.

– تنوع الموال واختلاف النغم مما يبسط حفظها.

أنواع الأغاني والموال وكيف ساعدت الأغنية الشعبية على مر الأزمان في تشكيل جزء كبير من التاريخ:

أغاني الخطبة والزواج

وهي الأولى التى تلفت نظرك وتجذب قلبك من ما بها من مدلول ومعنى عاطفي قوي يطيح بأمثاله في خاطرك؛ وبخاصة الحب المقدسي الذي في كل مرة تسمع مقطع معين يداعب قلبك وعساك تفكر بطرف تكمل معه سبيلك فلسطيني.

أغاني الطفولة

أغاني هدفها تجعل مهارات الطفل الحركية مثارة بمعنى يرقص ويخرج طاقته وهي أغاني عيد الميلاد وأغاني الجدات لأحفادهن.

الأغاني الدينية

وهذه الأغنيات تحظى بمكانة عالية داخل المجتمع الفلسطيني وتتميز باختصاصها بمناسبات معينة واحترام نابض من فؤاد المجتمع الفلسطيني.

أما عن الموال باختلاف أنواعه: يتميز الموال عادة بأنه ينظم عادة على وزن البحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن)، لكن هذا الوزن يضطرب كثيرًا على ألسنة الفنانين الشعبيين المحترفين؛ الذين يعتمدون في المقام الأول على الموسيقى المصاحبة لهم، لا على ضبط الوزن الشعري. ومما يميز الموال ظاهرة التلاعب بالألفاظ فيما يسميه الدارسون “بالجناس” كما وضح مركز المعلومات الفلسطيني.

“يا ظريف الطول”..

هذه أولى الأغنيات الشعبية التي سمعتها وجذبتني ولكن ليس للأستاذ حمزة نمرة كما عرفها أغلب جيلي، إنما لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، وأعترف أني لم أسمع أقوى من المعنى الذي تتملكه هذه الأغنية عن غربة المحب وابتعاده عن الوطن وكم يرسم على وجهي الابتسام البيت القائل:

“يا ظريف الطول..

يا حلو يا دلوع..

واللي يطيح البير يحسب لك طلوع..

إحنا اتفرقنا وعلى الله الرجوع”..

وجذبنتي معرفة قصتها، فيذكر البعض حسبما نقل “موقع العربي الجديد”: أنه شاب فلسطيني كان يحمل اسماً فلسطينياً لكن طوله كان سبباً بأن يطلق عليه اسم “ظريف الطول”.

أقام هذا الشاب في قرية كان غريباً عنها، وكان يعمل نجّاراً عند شخص يدعى أبو حسن، الذي كان يعطيه أجره كل أسبوع ولكن لم يكن يعلم ماذا يفعل بالمال، وأجمع أهل القرية أنه كان ذا خلق ولا يرفع عينه باتجاه امرأة، رغم أن فتيات القرية كنّ يحاولن التقرّب منه، حتى أن زوجة مختار القرية طلبت منه أن يصنع لها خزانة كي تلفت نظره لابنتها، وزوجة خطيب المسجد صنعت عنده صندوقا خشبيا للملابس وحدّثته عن ابنتها، وحتى الخطيب لمّح إلى الموضوع في خطبة الجمعة من دون فائدة، لأن “ظريف الطول” لا تعنيه هذه الأمور.

وقال: تحكي الرواية أنه في يوم من الأيام هجمت إحدى العصابات الصهيونيّة على القرية واستشهد ثلاثة شبّان، وفي اليوم الثاني، غادر “ظريف الطول” القرية وعاد بعد أربعة أيام ليلاً دون أن يراه أحد، حتى عادت العصابات بعد شهر لتقتحم القرية، حينها قام “ظريف الطول” بتوزيع خمس بنادق على الشبّان كان قد اشتراها من ماله الخاص، وتم قتل ستة أشخاص من العصابات، وفي اليوم التالي، باعت النسوة ما يملكن من مجوهرات وذهب لشراء البنادق بثمنها، وعند عودة العصابات للأخذ بالثأر، اندلعت معركة كبيرة في كروم التفّاح واستشهد عدد كبير من أبناء القرية، وفي الوقت نفسه سقط عدد كبير من أفراد العصابات، وعندما قام أهل القرية بجمع جثث الشهداء، لم يجدوا “ظريف الطول” بينهم ولم يكن بين الأحياء واختفى، وأجمع أهل القرية على أنه قاتل بشراسة وقتل أكثر من 20 شخصاً من أفراد العصابات وأنقذ بعض شبان القرية، لكنه لم يظهر بعد المعركة.

مرّت الأيام وصار “ظريف الطول” أغنية القرية: يا ظريف الطول وين رايح تروح.. بقلب بلادنا تعبّقت الجروح، يا ظريف الطول وقف تاقولك.. رايح عالغربة فلسطين أحسنلك.

يلفت أبوليلى إلى أن الحكاية تقول: “بعد سنوات عدّة يقال إنه تمت مشاهدة ظريف الطول مع الثوار في يافا، والعديد من الناس حلفوا بأنهم شاهدوه مع جمال عبدالناصر في بورسعيد، وآخرون شاهدوه في غزة، ومنهم من قال إنه كان في بيروت إبان اجتياح 1982، ليتضح أن ظريف الطول هو كل مقاوم فلسطيني، وبقيت الأغنية تُردّد حتى يومنا هذا بكلمات تختلف ما بين أغنية وأخرى”..

هذه عيّنة من القصص التي حوّلت الحكايات الشعبية والوقائع والأحداث الوطنية إلى أغان تراثية ارتبطت بشكل مباشر بثقافة فلسطين، أو غيرها من الدول العربية.

ويحتفظ التراث العربي بقصة لكل أغنية من أغاني الفولكلور، تحديداً في بلاد الشام، أي في سورية وفلسطين ولبنان والأردن.

وهكذا أصبح الحب والتراث والفن والمجد فلسطينًا وأكدت الأغنية الشعبية الفلسطينية على مدى تفوقها على ناظيراتها، ولكن هذا لا يرجع لها فقط إنما يرجع لأهل فلسطين الذين فضلوا ألا ينخلعوا عن جذورهم وتشبثوا بها.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
marsbahisEscortSaatlik escortManisa escortGümüşhane escortfethiye escortEsenyurt escortmasözmasözantalya escortzlotdeneme bonusu veren sitelercasibombets10casibompusulabetbetmatik twitterbaywinGrandpashabetcasibomholiganbetbettilt girişcasibom girişslot sitelerisekabetbetmatikbetkanyonsekabetholiganbetdeneme bonusubonus veren sitelerataşehir escortjojobetümraniye escortmarsbahisdeneme bonusu veren sitelerdeneme bonusu veren siteler 2024deneme bonusu veren siteler 2024fethiye escortfethiye escortmarsbahismarsbahismarsbahiscasibomMeritkingmegnutt leakescort esenyurt
Etimesgut evden eve nakliyatankara ofis taşımacılığıEtimesgut evden eve nakliyattuzla evden eve nakliyatçankaya evden eve nakliyatmersin evden eve nakliyatçekici ankaraAntalya Çitseo çalışmasıtuzla evden eve nakliyatmaldives online casinoankara evden eve nakliyatoto çekiciEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyatEtimesgut evden eve nakliyattuzla asansörlü nakliyatpolatlı evden eve nakliyatMedyumniğde evden eve nakliyatyenimahalle evden eve nakliyateskişehir uydu servisigoogle adspubg mobile ucankara evden eve nakliyattuzla nakliyatüsküdar evden eve nakliyatMapsodunpazarı emlakAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlareskişehir web sitesikocaeli evden eve nakliyatantika eşya alan yerlerantika eşya satmakseo fiyatlarıdex trending botdextools trending botdextool trending servicedextools trending servicecmc trending botcoinmarketcap trending botdextools trendingtrending bothow to trending on dextoolsdextools volume bottrending on dextoolsfront runner botfront run botfront running botmev botdex sniper botpancakeswap botpancakeswap sniper botsolana sniper botsol sniper botsolana botMetafizikdextools trendingmarsbahis girişmarsbahismarsbahismarsbahis girişcasibom girişcasibom girişcasibom giriş twitterMedyumAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlarAntika alanlarAntika Eşya alanlarAntika Eşya alanlarantikaİzmir Medyummarsbahis girişviagraweb sitesi yapımımarsbahiscasibom girişteknede eğlenceesenyurt masaj salonu