لقد تفرق كثير من المسلمين شيعا وأحزابا نتيجة التعصب؛ هذا الداء الذي فتك ظهر الأمة، وهكذا زين لهم الشيطان أعمالهم وأعماهم الغرور. وغاب عنهم أن الإسلام أوسع من مذاهبهم وآرائهم وأن آراءهم ومذاهبهم أضيق بكثير من الكتاب والسنة والإسلام، وأن في ميدان الحنيفية السمحاء متسعا لحرية الأفكار، واختلاف الأنظار ما دام الجميع معتصما بحبل من الله؛ “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”.
ولقد قرر علماؤنا أن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجها ثم احتملت الإيمان من وجه واحد حملت على أحسن المحامل وهو الإيمان، هذا الكفر فما بالك بصغائر الذنوب!
هؤلاء مصابيح الدجى وبأيهم اقتديتم اهتديتم؛ اختلفوا في فهم أمر النبي إياهم بالصلاة في بني قريضة؛ إذ أخذ كل برأيه وباحترام الآخر؛ فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتهدين على اجتهادهم ولم يعب على أحد؛ رغم أنه كان يقصد بأمره الإسراع؛ لا الصلاة في بني قريضة حقيقة.
كذلك لا ننس إباء مالك على الرشيد أن يحمل الناس في بلاد الإسلام على موطئه ومذهبه واعتذاره إليه بأن الإسلام أوسع من موطئه ومذهبه وأن أصحاب رسول الله تفرقوا قي الأمصار ولكل وجهة.
أرأيت هذا النبل وهذا الطهر؟
أجل؛ أجل، نفترق ونحن إخوة كما قال سيدنا الشافعي _رحمه الله_ شريطة أن يكون هذا الخلاف يستسيغه النظر ويتسع له صدر الاستدلال، وتساعد عليه قوانين اللغة العربية ومقررات الإسلام المقطوع بها.
“لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ”.
كاتب التدوينة: عبد الواحد بونار