أزعجت صراحة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اللامتناهية، تجاوزت كل مبادئ وبروتوكولات اللياقة واللباقة التي اعتمدها أغلب رؤساء أميركا السابقين في تعاملاتهم، مفكرين وكتابا ومثقفين عربا كثيرين.
ولم تكن صراحة ترامب التي اعتبرها بعضهم غباء، وجنونا وخبالا، في الحقيقة إلا فرصة ذهبية حتى يعلم العرب والمسلمون كيف يفكر فيهم رؤساء الغرب، ويمارسون فيهم السياسة. ترامب أسقط ورقة التوت، وتكلم بوضوحٍ فاق مبادئ العادة والعرف والبروتوكول. وكأنه يقول للعرب وللمسلمين ألا تستفيقون! ألا تفهمون، إنكم أقل مما تتصورون، عبيد و”قذارة” وإرهابيون ومتخلفون، فقط ما لكم يحكم بعض المعادلات الاقتصادية.
ما فعله ترامب من مزايا الإفصاح اعتبره بعضهم تجنّيا، وكأن من طبائع العرب والمسلمين عداؤهم الحقيقة. والعرب هم فعلا كذلك. يحتاجون دائما إلى من يقول لهم عكس الواقع. هزيمة 1967، وهي هزيمة لا يختلف عليها عاقلان، سموها نكسة، فراق لهم الأمر. وهزيمة 1973، وهي واضحة باعتبار توابعها ونتائجها على الأمة، سموها انتصارا. معاهدة أوسلو، معاهدة الذل والتسليم في الحق بدون أي مقابل، سموها منذ 1993 خارجة وطريق سلام، ويصرون على ذلك، مع أن ترامب ميّز لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
انقلاب عسكر مصر على أول جمهورية مدنية وأول رئيس مدني، يصرون على تسميته ثورة. وإسقاط حركة النهضة بعد انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم، سموه “توافقا” و”اختراعا” تونسيا، وغنوا له. العرب لا يطمئنون إلا لمن يقول لهم عكس الحقيقة، وترامب شذ عن القاعدة، لذلك كرهوه، وكتبوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر.
أليس الأجدر بهؤلاء العرب بأن يتفاعلوا مع ما يقوله لهم ترامب، وهو المرشد لهم في كل الأحوال؟ كل الحكمة أن يفعلوا ذلك، فترامب بتغريداته يجيب على الأسئلة التي ظلت عالقة في وعي الأمة. قبض ترامب 400 مليار دولار، وهو كانا يرغبان في احتلال قطر والسيطرة على ثرواتها، ثم صمت أمام كل الأذى الذي ألحقتها بدولة صغيرة ترسم طريقها بثبات.
قال ترامب للجميع، بكل وضوح، إن القدس ليست للفلسطينيين، القدس للصهاينة، فاذهبوا وابحثوا عن طريق آليسوا خر. ترامب قال إن إسلامكم مصدر للإرهاب فتخلوا عنه، وإنكم إرهابيون فلا تدخلوا أرضنا. قال إن دولا كثيرة، منها إفريقية، سوى قذارة. فلماذا نريد أن يقول الرجل عكس ما يفكر، وعكس ما يمارس سياسته وإدارته العالم.
سيظل ترامب يرشد هذه الأمة بصراحته اللامتناهية، يحاول، بقدر بقائه في الحكم، أن يكشف لنا حقيقة السياسات الأميركية، ورؤساء أميركا تجاه الأمة، وما تتميز به من إهانة وإذلال واحتقار واغتصاب للحق وطمعا في المال. وستظل هذه الأمة تبحث عمن يخادعها، ويقول لها الواقع.
الأمل الوحيد في تغيير هذا الواقع ظهور الأحزاب والحركات الوطنية التي تبني على واقعها، وعلى ما يؤكده ترامب من خلال تصريحاته.