مدوناتمدونات الرأي

مذكرات من زمن الصحوة الديمقراطية

قبل الحديث عن الربيع الديمقراطي لنرى تاريخه وجذوره في الدول العربية والغربية، كان للصحوة الدينية وقع كبير على المجتمعات العربية، الأمر الذي جعل هذه الشعوب تهاجر نحو الله عز وجل، ثم هجرة أخرى شملت العالم بأسره، هي هجرة نحو الديمقراطية وانتقال لوضع العقد الاجتماعي، ووضع مدني يسود فيه السلم والأمن الاجتماعي..

وبداية تأسيس مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية، أو كما يسميه فلاسفة العقد الاجتماعي هوبز ولوك وروسو وسبينوزا الانتقال من وضع طبيعي إلى آخر مدني وأن الإنسان قبل هذا الانتقال كان في حرب الواحد ضد الكل، ومعتبرين أن أصل قيام أنظمة الحكم تقوم على عقد اجتماعي يعتبر الشعب فيه أساس السلطة ومصدرها حيث يتنازل الأفراد عن جميع حقوقهم ورغباتهم لصالح المجتمع لإيجاد السلام والنظام الأمن.

إذن عاملا الصحوة الدينية والسياسية الديمقراطية كانا سببان في بداية عصر نهضة جديد بالإضافة إلى عامل الوطنية العابرة للأوطان حيث أصبح المواطن ينصهر وسط الدول المجاورة له والتي من نفس قارته أو إقليمه أو من نفس طينته، مثلا أصبح المواطن الفرنسي أو الإسباني يحمل جنسية أو وطنية أوربية لا فرنسية أو إسبانية لأنه انصهر داخل بيئته الأوربية وهذا هو العامل الذي تفتقده الشعوب العربية إذ نجد في البلد الواحد عدة تيارات وإديلوجيات وأحزاب كل منهم يساهم في اتساع الهوة بين الشعب الواحد وليس الشعوب العربية ولم نتوصل بعد إلى حل يجمعنا على راية واحدة كأبناء وطن واحد أو أبناء قارة واحدة

ما يهمنا نحن هو بداية هجرة الأوطان والشعوب نحو الحرية السياسية، أي شوق الشعوب في استرجاع ملكيتها بعد الانحطاط الذي عانت منه لعقود من الزمن، والذي جعل منها بلدان ثالثية راكدة سياسيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا.

ثم محاولة استرجاع القرار السياسي في بلدانها بعد احتكار السياسة من طرف الحكام أو كما يعتبرها الفيلسوف كارل ماركس احتكار من طرف الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج لكونها لوبي ضاغط على الاقتصاد والسياسة معا.

ويمكن اعتبار الربيع الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي محطة قديمة منذ ظهور الدولة والتنظيمات السياسية إذ يناهز عمره ثلاث قرون فقد كان الربيع الديمقراطي ولازال محطة لقطع الصلة مع أركان الطغيان والفساد واستئصال الورم من جذره؛ فقد حط الربيع الديمقراطي رحاله في أواخر القرن العشرين بأوربا ليخلصها من شراك الظلم ومظاهر الفساد السائدة من طرف الكنيسة أو من طرف الحكام والباباوت الأرتدكس والبرتستانت، وسرعان ما انتقلت العدوى لدول أمريكا اللاتينية لتخلصها هي الأخرى من شراك الأنظمة الفاشية ثم القضاء على الشيوعية وعلى الحزب الواحد إيمانا بالتعددية الحزبية والمعارضة السياسية.

بعد كل هذه الأشواط التي قطعها الربيع الديمقراطي بين أوروبا وأمريكا اللاتينية وصلت بعض من شراراته لدول أفريقيا لينتصر زعيمها نيلسون منديلا ليسقط نظام الأبرتياد في جنوب أفريقيا ليصبح مانديلا وزعيما سياسيا وثوريا يحتذى به وبنضالاته.

وها هو الربيع الديمقراطي بعد ولوجه أفريقيا حط رحاله في بيئتنا العربية المغاربية في القرن الواحد والعشرين فمن جهة قد سعى الربيع الديمقراطي إلى إحياء سنة تاريخية واسترجاع مجموعة من القيم كقيم العزة والكرامة والإنسانية ومن جهة أخرى رغبة الشعوب العربية في الابتعاد عن القهر السياسي والاجتماعي، ومن جهة أخرى ارتفاع نسبة الوعي وصحوة المثقفين واستنكار الطغيان السياسي وإحداث ثورة فكرية أولا ثم سياسية ثانيا، بغية استرجاع قيمة مفقودة..

لكن هذه الصحوة وهذا التحول لا يكتملان؛ إلا بتغيير جدري في النفس أولا إيمانا منا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، بحيث أن هناك ثلاث قوى تحكم الفرد وهي قوة العقل والشهوة والعزة ولإنجاح الصحوة يجب تغليب قوة العزة على القوى الأخرى، كون هذه القوى لا تؤثر إلا بالسلب على المجتمعات لأن منطق العقل العربي السائد لا يجب الخروج عن الحاكم والتفكير في أمر الثورة والتجنب في الحديث عن الثورة أو عن الحاكم المستبد، لأن في ذلك مسا بسيادتها وكيانها ونشرا للفتنة..

أما قوة الشهوة فقد حددها بعض الدارسين في كونها حب الخضوع والانقياد للحاكم وحب الذل بدل الحرية وكما قلت، يجب تغليب قوة العزة على هذه القوى؛ كون العزة نابعة من الحرية وهي حالة مدهشة ورائعة تنبع من الإقدام والإدبار، وقد عاشها التوتر في معظم أرجاء الوطن العربي، بداية من تونس مرورا بمصر وليبيا والمغرب واليمن وقد بلغ الإقدام حد الشهادة والتضحية بالنفس مقابل الآخرين وضمان حرياتهم وكرامتهم ورفع شعار الموت لا المذلة هكذا تسلمت قوة العزة مفاتيح القيادة في الوطن العربي.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

المصدر
المرجع المعتمد في البحث للأستاذ محمد طلابي
أظهر المزيد

أسامة باجي

صحفي مغربي باحث في الاعلام والتواصل، مدون وكاتب مقالات رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى