الكوميديـــا بطعم التعليم.. عن مكانة المعلم في المجتمع الجزائري
لا نزال في العالم العربي لا ندرك ما معنى أن نكون مربيّن، المربي في عالم كهذا هو فاقد لقيمته الوجودية الصلبة “كما يجب أن يكون”، لأنه مغيّب رغم كافة النداءات التي تطالب بحضوره.
بالإضافة إلى احتقاره والنظر إليه بنظرة “دونية” من طرف المجتمع، إلاّ أنّه غير مرغوب فيه أبدا لدى قطاع كبير من طرف الناس.
دعونا من الشعارات، فالأمر لا يزال طيّ الاستشعار لدى المعلّم ذاته، بحيث لا يمكن أن نجعله في منزلة أخرى سوى منزلة الفرد الذي يعاني بصمت.
لن أتطرّق في هذا المقام إلى ما يزاوله المعلّم من واجبات تنكّد عليه حياته وأيامه، سواء داخل الصف أو خارجه من تحضير للدروس وتصحيح لأمور لا يجدي تصحيحها نفعا.
وإنّما أريد إبراز مكانة المعلّم في المجتمع الجزائري، هذا التجمّع البشري الذي صدّع رؤوسنــا بالادعاء بأنه ممجد للتعليم وللمعلّم.
مكانة المعلّم في المجتمع الجزائري
راتب المعلم في الجزائر لا يكفيه حتى للتسوّل، ولكم أن تسألوا رصيده البريدي أو البنكي عن ذلك، وعندما يحاول الانتفاض على الفقر فإنه يواجه بالأخلاق التي يدّعيها بعض “الجهال”، فيقال لـه: “أنت صاحب رسالة!”، أيّة رسالة هذه؟ والله هي كلمة حق يراد بها باطلا على أرض القراصنة.
عندما يحاول أداء مهامه “النبيلة” يواجه بوقائع أليمة جدًّا، الكل ضدّه، بدأ بزملائه الذين همهم “الوحيد” هو المكابرة والراتب بدل التعليم، وانتهاء بمجتمع ينظر إليه بعين الريبة والغموض، وصولا إلى إدارة عفنة عفن مزابل إفريقيا، ومرورا بأولياء أمور لا يعرفون سوى تتبع الشائعات التي تبثها بعض مصادر الحقد باتجاه هذا المسكين. بعيدا عن كل هذه المنغصات أمام هذا “النبيل” إليكم القصة الجزائرية الحصرية لما يحدث في قطاع التعليم بالجزائر:
المعلّم في الجزائر كما يرى مالك بن نبي “مجاهد على الجبهة الفكرية”، وهو صادق في هذا الطرح، فكما هو معلوم فإنّ هذا البلد قد استقلّ عن بلاد الفرنجة منذ ستينات القرن العشرين. حيث كانت تزيد نسبة الأمية عن 85%، لتنخفض بصفة محسوسة وتبلغ 8% وذلك حسب آخر تقديرات الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار الذي أكد أن الجزائر تسعى “جاهدة” إلى مواصلة محاربة هذه الآفة قصد بناء مجتمع “أكثر استدامة”.
مكانة المعلم الجزائري
لكن ما يمكنني إفادتكم به، فإن ضرب المنظومة التعليمية في الجزائر بضرب أساسها “المعلّم-الأستاذ” لدى أوساط المجتمع المدني والمدرسة في حدّ ذاتـها هو أمر يصب في هذه العملية العبثية الخبيثة التي يقع فيها هذا الشعب الطيّب يوميا.
عندما يحتقر الجزائري معلميه وما يقدمونه له أو قدموه له في صغره، فهو يحتقر صنّاع حريته الفكرية التي بقيت مرتبطة بأفكار الاستعمار التاريخي لبلاده، إذ لا يعقل أن يكون حرّا من يحتقر الإنسان وصانع الإنسان، فمن يصنع الأفكار هو صانع للأفراد، أليس الإنسان (الفرد) هو فكرة مجسَّدة لا غير؟
على أرض يصنعها القراصنة لن تجد مكان للمعلمين، ومن يطمس التعليم بهذا الشكل بالتنكيل بالمعلمين وأدواتهم من لسان، معارف وحتى ضروراتهم البيولوجية فإنه بمثابة “الجوكر” في أفلام “باتمان”، لا ينشر سوى الخراب والجهل بين أطراف بلد أنهك بشكل غير طبيعيّ ليبقى خانعا خاضعا لإرادات فوقية تأتيه قراراتها من بلدان الشمال.
الانتفاضة التي يحلم بها أيّ جزائري لن تكون بلا معلمين، لن تكون بلا أفكار، بلا إنسان يحترم الإنسان، لهذا:
حرّروا التعليم أوّلا أيها الجزائريون.