بعض الأحيان يَعِيشُ الْإِنْسَان مُوَازَنَاتٍ مُرْهَقَةٍ حتي يَتَخَيَّر أفْضَل وأصح الْقَرَارَات ليجعلها دَيْدَن حَيَاتِهِ وَيَتَعَامَل بِهَا، وَهُنَاكَ وجهات نَظَر مختلفة وَزَوَايَا مُتَضَادِّهُ لِرُؤْيَة الْمَواقف، وَشَخْصِيَّاتٍ لَا تَتَشَابَهْ فِي رُدُودِ الْأَفْعَالِ أَوْ فِي تَعَاطِيِهَا مَعَه.
عندما تطأ قدمك محفل ما يصدمك المكان من فرط حلاوته، بَهْجَةٌ تُزَيِّنُ الْمَكَان وَخُيُوط مِنْ نُورٍ تَشُقُّ طَرِيقَهَا دَاخِل اللَّيْلِ الحالك فتُبدد الظلمة وتدمر المهالك وَابْتِسَامَة تَكْسُوَ الْوُجُوه وَخَلِيلَاتٍ يَجْلِسْنَ عَلي الْأَرَائِك غَيْر مُتَّكِئَاتٍ ولا مُستَوِيَات قَدْ هَجَرْنَ خُدورهن، وخِلان قَدْ تَجْمَعْنَ فِي حلقات غَيْر مُنْتَظِمَةٍ، وَأَبْوَاقٍ مَصْنُوعَةٍ، وَأَوْتَارٍ مَخْلُوقَةٍ، تَخْرُجُ من أشفارها نَغَمَاتٍ فَتَزِيد مِنْ هَرْجِ الْمَكَانِ وَمَرَجِهِ، وَصَاحِبِهَا يُقْلِبُ العُمْلات بَيْنَ أَنَامِلِهِ حَتَّى تَذُوب فِي جِلْدِهِ لِيَتَغَذَّى عَلَيْهِ عظمهُ وَلَحْمهُ، وَرِجَال قَدْ اصْطَفُّوا في خَط وَاحِدٍ طَوِيل يَسْتَقْبِلُونَ الْمدعوين، وَأَيَادِي تُسَلُّم عَلي نَظِيرَاتِهَا، وَأَكْتَافٍ تَتَلَاصْق، وَقَمَر يتوسط الحفل تَشرَإبُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَتَمَايل للروؤس هُنَا وَهُنَاك وتغنج وَاضِح فِي الْعُيُون وَهَالَات مقدسة تحوم حول المكان وشآبيب مِنْ السُّرُور تتَسَاقَط فَتَسْتَقْبِلْهُ الْأَرْضُ بِحَنَانٍ فَتَطْرَحْهُ في أوعيه كل مَنْ امْتَطَاهَا، وأحلام تَتَهَادَي وَعُقُول قَدْ فَارَقَهَا الحَزن وَالْعَجْز.
لَعَلَّ هَذِهِ هي اللوحة الوحيدة الحقيقية التي تُفرِز منظراً بديعاً لا يَخْتَلِف عليه اثنان ولا ينتقص أحد منه قيد أُنمُلة، وَفِي وسط تلك الأجواء المُغرية شَخْصَان قَدْ بَرَزَا تباطئ الزمن عندهم ليخلق حركه تكاد تكون ثابتة، وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تلاحظ ذلك فِي حَرَكَةِ الأخرين.
يَقِفُ الأول ثَابِتًا غَيْرَ عَابِئ بِمَا يَدُورُ حَوْلَهُ كَأَنَّهُ فِي حَولٍ آخّرَ يُحَلل وَيُرَاقِب وَيُفَكر َلَا يَتْرُكُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحصاهَا كَأَنَّهُ مَبْعُوث الْإِلَه وَنَظِيرُهُ علي الْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُن على غير الْعَادَة سَعِيد بَل كَانَ مُضْطَرِبًا قَلَقًا كَأَنَّه مُهَيِّئ لِلذَّبْح، قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ ذَابِحُهُ بمدقة تَدُق رَأْسَه وَتَفْصِلها عَن جَسَدِه، وَلَمْ يَكُن يَعْلَم السبب ففتش فِي نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَ أَنَّهُ كَانَ فِي عُزْلَتِهِ مُنْفَرِدًا وَحِيدًا وَفَجْأَةً وَجَدَ نَفْسَهُ فِي اجتماع يَضُم جَمْعُ غَفِير وَكَثِير وَأَصْبَحَ عُرضة لَهُمْ كَأَنَّهُ فِي معرض أَزْيَاءٍ وَهُوَ الْعَارِضُ الْوَحِيد وَمُطَالِبٌ بِالْإِجَابَةِ علي أسْئِلَةِ تُطْرَح إِلَيْهِ، الَّتِي لا تنفك تَحْمِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهَا حِقْد أَوْ ضغينه أو حسد أَوْ أي نَوْعٍ مِنَ السوء ولا بد مِنْ مُجَابَهَتِهِم، وَيَقُول فِي نفسه هَكَذَا المحافل سعادة مُؤْقَتَة وَعِنْدَ إانْتهَائِهَا يَعُودُ كَلٌّ إلْي دُنْيَاِه، إلْي حَيَاتِهِ البائسة والكئيبة وَإلي الهموم التي تُهْلِكُ الْأبدَان وَتَخُورُ فِيهَا السَّوَاعِد وَتُجر بِسَبَبِهَا أذْيَال الخيبات إلْي صَاحِبِهَا، الذي يستحضر في أوقات الفْرح لحظات انتهائها فتُفسَد فَرحته.
وَيَقِفُ الْآخَرُ سَعِيدَا ضَاحِكَا كَأَنَّهُ قَد حَازَ نَجْمٌ مِنَ السَّمَاءِ، لا يكترث بمآلات الْأُمُور وَمُسَبِّبَاتِ الْفَرَح، لا يهمه السبب بِقَدر ما يهمه الاستمتاع بالنتيجة، تَرَاهُ مُبْتَسِمَا فتبتسم تِلْقَائِيَّا، لا يُفَكِّرُ كَثِيرَا، لَا يُغرق نفسه فِي التَّحْلِيلَاتِ وَالتَّدْقيقِات الْفَائِضة، كَانَ يهتم باللحظة وَلَيْسَ بِمَا ورائها، يُشَارِكُ بِكِيَانِهِ وَرَوْحِهِ فِي خِضَم السعاده وَيُجْبِرُ نفسه الْعَتِيقَة علي الامتثال للبهجة وَتَوْدِيع الاكتئاب وَلَوْ لِمَرّة وَاحِدة وَلَوْ للِحظّةِ وَاحدة، كَانَ يَسْرِقُ اللحظات الجميلة مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، كَانَ يُخْرِجُ شحنات إِيجَابِيِّة فِي أَرْجَاءِ الْمَكَان فَتُدمر شحْنَات النَّاسِ السلبية، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَْنْ يَقُول إذَا قَامَتِ الساعة وَلِأحَدِكُمْ لحظة يَفْرَحُ فِيهَا فَلَيَفْرَح، وإِذَا اسْتَطَاع أَحَد أَْنْ يَكُون أخر حياته فَرحة فليفعل وليزرع وروده حتّى لَوْ فِي أرْضِ الشَّوْك وَلَا يَنْتَبِه لِلْعَابِثِين أو الْمُحْبِطِين..
لَمْ يُفَكِّر كَثِيرَا فِي عَطَبِ الدُّنْيَا وَجَوْرِهَا، كان سَرِيعَا يتذكر حَلَاَوَتِهَا ويَتَنَاسَى علقمها، ولَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي اللَّمْحَاتِ الْمُفْجعَاتِ الذي إِنَّ رَأْيَتَهُ هممت بتركه بَلْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَرْوَاحِ المرحه الَّتِي تَتَغَنَّى نَفْسُهُ فِي مُرَوِّج الآخرة وَيُغْسَل قلبه مِنْ أَنْهَارِهَا الغائصة الفائضة، فيعود وقد امتلئ نسيماً وعبقاً يلازمه أينما حل، ولَا يُفكر كَثِيرَا لَا يُحَلل أَكْثَر وَلَا يُدَقق، كَانَ مُهْتَمَّا بِعِطْرِهِ الْفَوَّاح يوزعه على الناس جهَارًا بَوَاح..
فَهَذَانِ شَخْصَانِ اخْتصمَا فِي مُعَايَشَة مَوْقِفِ رغم كونه متشابه وَبِالْرَّغْمِ أَنَّ هلاك الْمُوقِفين حَتْمَي وانتهاء اللَّحْظَات وَاجِب وَسَيْفُ الْقَضَاءِ فِي الْحَالَتَينِ بتار، وكان قَرار كل وَاحِد مِنْهُم قد غَير قدره وَحَيَاته وَأَذَابَ غِشَاء التامور عن قلبه وأظهر معدنه الْأَصْلِي، حَقِيقَةً لَا أستطيع الجزم وَالْفَصْلَ بَيْنَ الحالاتين أَيَّهُمَا أَصَدَّقَ وَأُوقَعُ للنَّفْسِ حَيْثُ أَجِدُنِي وَاقِفَا على رَأسَ الإثنين، أنْهل منهم بعض صفاتهم فلا يصح أن أكون الخصم والحكم.
فالنتيجه محجوبة والأمر قد اعتلاه الغياض، إذا كان من الواضح أن تُغير طبائع النفس النظر للأفعال بهذه الطريقة، ولذلك تَناول الأمور ببساطة يُخفف من وطأة تأثيرها الصعب.