في ليلةٍ شتويةٍ بارِدة، وقَف صاحبنا أمام مكتبته يبحث عن الدِفأ بين أحضانِها، مكتبته هي ثروته الوحيدة في الدنيا، وكنزه الذي لا يفني بالأيام أبدًا، فصاحبنا يأخذ من الكتب أسلحة يقاوم بها قساوة الدنيا وعبث الأيام.
كان يستمد صاحبنا القوة من أدب نجيب محفوظ، ويطلق العنان لخياله مع كلمات أحمد خالد توفيق، ويتعلم فلسفة الحياة وجوانب الإنسان النفسية من كلمات دوستويفسكي.
لفت انتباهه عنوان رواية كانت هي صيد تلك الليلة، رواية ”انقطاعات الموت” للبرتغالي جوزيه سارماجو، بالفعل كما توقعت أنت الآن، فكرة الرواية تأتي من عنوانها، أن ينقطع الموت، أن يكون الإنسان على حافة الموت ولا يُرحَب به، أن يتوقف الموت فجأه دون أن يُعلِن أسبابه.
يقول سارماجو: “في اليوم التالي لم يمت أحد، ماذا لو لم يمت أحد؟ لن يفترق الأحباب وسننعم بالخلود، نحقق كل أمانينا وأحلامنا، هذا شيء جميل، ولكن هل سيسعنا الكوكب؟”
تذكر صاحبنا وهو يتصفح رواية كل من فارقهم في حياته، كل من حرمه الموت منهم، كل من جعلهم الموت حبيسي القبور ولم يترك له منهم سوى ذكريات مُوجعة عالقة في ذهنه.
يطرح سارماجو في تلك الرواية تساؤل يكاد يكون خطر ببال معظمنا، ويجيب عنه بفلسفته الخاصة وأفكارة الشيطانية، ماذا لو توقف الموت عن زيارة مدينتنا؟ هل سيتحقق للإنسان الحلم الأبدي بالخلود والاستمرار؟ سيعيش الناس وسط أحبائهم أبد الدهر غير فاقدين ولا مفقودين، ولكن سارماجو سيكشف لصاحبنا الجانب الثاني من تلك الحقيقة الذي غفل عنها.
أين سنأخذ المرضى المُتكدسين علي أسِرّة المستشفيات؟ ما هو مصير الجرحى والمصابين اللذين يتوافدون على المستشفيات ولا مكانًا لهم؟ كيف وأين سيعيش الناس وهم في تزايد مستمر سريع؟ خلل كامل في توازن الكون، سيؤدي بالناس في نهاية الرواية أن تتمني الموت، تدفع لأجله الأموال وكأنه منتهي الغاية، حينها يتأكد الناس أن ما من شيء يُخلق عبثًا في هذا الكون، وأن كل شيء مقدر لسبب، حتى الموت نفسه.
انتهي صاحبنا من الرواية في بضع ساعات، أصبح على يقين بأن الموت راحة لمن أنهكتهم الحياة وعصفت بهم الأيام، تذكر كل أحبائه القابعين بالقبور ودعا لهم بالمغفرة والنعيم ودعا لنفسه بحسن الختام.