علاقتُنا بالأبواب، تبوحُ لي دائما بأسرار كثيرة، أُطيل التأمّل فيها، وأخرج من تأملي مبتسما حينًا، ومتدمّرا حينًا آخر.
هناك دائما أناسٌ يعتقدون أن إغلاق باب من الأبواب، يستوجب خبطَه (دون أن ينتبهوا إلى ذلك ربما)، وكأنهم يتلذذون بذلك الصوت المزعج.. أو يظنّون أن فتحَه يستلزم تكسيرَ مقبضه، أو مباغتةَ من يوجدون خلْفَه، كبعض اقتحامات رجال الشرطة، علما أن العمليتين (الفتح والإغلاق) قد تتمان بهدوء تام.
تلك هي بعض علاقاتنا الإنسانية؛ نُحدث ضجيجًا في بداياتها، نهاياتها أو في عزّ قيامها، معتقدين أن الاستمرار وإثبات الذات، لن يتحققان إلا بالقسوة والأنانية والنكران.
كما أن هناك أناسا يدخلون أماكن؛ بيوتا أو قاعات… ليست لهم أو في ملكيتهم، وقد يجِدُون البابَ مفتوحا فيغلقونه، بذريعة احتمال دخول سارق مثلا، أو متطفل مزعج.
كما أنهم قد يجدون الباب موصدا، فيشرعونه على مصراعيه عند دخولهم أو خروجهم، بذريعة شدة الحرّ مثلا..!
وقد تغيب الذريعة أحيانا، ليحضر التعوّد l’habitus حسب عبارة بيير بورديو، وكلّها اجتهادات وتجاوزات تقع في حياتنا اليومية، وتعكس مدى أنانيتنا وتدخّلنا في ما لا يعنينا.
يقول فرناندو بيسوا في قصة “الباب”: “طبعا، إن مقبض باب، أو أي كلمة مكتوبة أو شفهية، أو أي رائحة ليست، كما نراها، شيئا يولّد الخوف، إذا ما وَجَد شخص في هذا الأمر ما يخيفه، فبديهي أنه يرى الأشياء بطريقة تختلف عن طريقتنا. ستقولون إن الفرق يكمن في الشخص، وأن الشيء كما يراه هو يوجد في نفسه، سأرد عليكم بالقول إن الشيء كما نراه نحن في أنفسنا. هذا ما يدل عليه العلم ويثبته المنطق..”
إن مفتاح السعادة في نظري، هو أن يبدأ كل واحد منا رحلة الإصلاح من نفسه، فادعاؤنا الكمال، يزيد من نرجسيتنا واقتحامنا لخصوصيات الآخرين واختياراتهم، لذا، من المحبذ أن نطرق أبواب ذواتنا، لنتصالح معها، وبالتالي نفهم الآخر ونحترمَه.
وأختم هذا التأمل البسيط والمقتضب بقوله تعالى في سورة النور: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا..”، وفي الحديث الشريف “مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وقَالَ: حَسَنٌ.