مدونات أدبية

نعم ما زلتُ مستيقظة!

في الرابعة صباحا أضاء هاتفي برسالتكَ، هاتفي الذي هو نفسه الهاتف المليء برسائل ليست برسائلك، بأشخاص يسعون لكسبي في الوقت الذي أجدكَ فيه تسعى لخسارتي.. هاتفي المُضاء دائما وفي كل حين، الذي يعتريه الظلام من قِبَلِك لأنه مُهمَل من طرفك، سألتني في رسالتك تلك إن كنتُ مستيقظة، في الوقت الذي تعرفُ فيه جيدا أنني لم أنم بعد.

كنتَ تعرف علاقتي بالسهر كيف تبدو؟ لا أنام حتى شروق الشمس في بعض الأحيان..، تارة أسهر معكَ حينما تتذكر أنني في حياتك، وتارة أقضي الليل وحيدة حينما تنسى وجودي مجددا..

لطالما عودتني على رسائلك في مثل هذا التوقيت المتأخر، ولا أعرف لماذا؟ هل في هذا التوقيت بالذات تكون ذاكرتكَ خالية من كل شيء ما عداي؟ ترى هل تفكر بي حينها بمعزل عن كل هذا العالم؟ هل ينالُ منكَ الحنين فتخضع له بعيدا عن كبريائكَ اللعين؟

لقد مرت علي ليالي كثيرة، ليالي طويلة لا تمر شعرتُ فيها باليُتم والبرد والحزن وقلة الحيلة وكل المشاعر السيئة والمضرة بصحتي النفسية وحتى الجسدية..

ها أنتَ قررتَ أن تكتبَ لي أخيرا، ولكن لماذا؟ وبعد ماذا؟ أبعد أن فرغ يومكَ من كل ما هو مهم لأكون أنا في الترتيب الأخير من قائمة أولوياتك؟ كتبتَ أخيرا…، ولكن ألا تعتقد أنكَ كتبتَ متأخرا؟

لقد مرت علي ليالي قاسية جدا كنتُ قد بدأتُ فيها باتخاذ قرار نسيانك أو على الأقل طردك من حياتي إلى أن تتكرم علي ذاكرتي فأنساك، وتساعدني دواخلي في انتشالك من قلبي فأنساك، وتساعدني كل الأيام في تخطيك فأنساك.. وكلما كنتُ أحاول اتخاذ هذا القرار تعود مجددا وتعيدني لسابق عهدي فأتراجع عن قراري الذي لم يُنفذ بعد.

مرة آخرى، وبعد ربع ساعة تقريبا، أرسلتَ لي رسالة جديدة تقول فيها:

– بقدر ثقتي بحبكِ لي، أنا متيقن أنكِ ما زلتِ مستيقظة.

حبا بالله يا وجعي، لماذا حبي لكَ واضح كوضوح الشمس، يُعري ضعفَ قلبي أمامك، فيكشفني؟ لماذا تثق بحبي لكَ في الوقت الذي لا أستشعر ولا أحس بأي حب نابع من قلبكَ نحوي؟ لماذا أعجز عن إيجاد السبل التي تدفعني للوثوق في كل شيء تقوم به بقدر ثقتي في حبكَ لي؟

نعم ما زلتُ مستيقظة وها أنتَ قد أصبتَ كعادتك.

ها أنا في هذه الليالي الباردة أعمل جاهدة على تدفئة قلبي جراء بعدك عنه طيلة الوقت، ها أنا أقرأ رسالتكَ مرة واثنتان وأتساءل هل هذا يعني أنه من المفترض علي أن أجيبكَ عليها أم أتجاهلك كما تعودتَ أن تفعل معي دوما؟؟ هل أتجاهلك كعادتك؟ أم أكتب لكَ بحبٍ ووجع كعادتي؟

ها أنا أمسك الهاتف بيدي، أمرر بأناملي فوق كلماتك كما لو كنتُ أمررها على تفاصيل وجهك، فبدأتُ بالكتابة، وفي كل حرف أو كلمة أو جملة كنتُ أحذف كل ما كتبته.. لم أكن أنوي أن أقصَ عليكَ كيف أكون بدونك، ولم أنوي أن أسردَ عليكَ شوقي ولهفتي..، كنتُ أنوي أن أعاتبكَ عتابا استجمعته في قلبي منذ أن عرفتك، عتابا صارم جدا..

كل حرف كتبته كان يحملُ مقدارا هائلا من القسوة وانعدام الرحمة، كنتُ أنوي أن أبعثَ لكَ رسالة على هيئة قنبلة عسى أن تنفجر في قلبك، كنتُ أودُ أن أجرحك، تماما كالجروح البليغة التي أحدثتها بدواخلي المملوءة بك..

كنتُ أود أن أكونك، أن أتحول ولو في بضع ثواني لنسخة تشبهك في قسوتك، في جبروت قلبك، في إهمالك، في طريقة تعاملك، في كيفية دس الألم بين خبايا روحي وزرع الأشواك في زوايا قلبي..، كنتُ أريد أن أكون مثلك فأعيدُ لك ما سببته لي لعلكَ تشعر بربع ما أشعرتني به..

كنتُ أريد أن أعاملك بكل ما أكرهه فيك، وكنتُ قادرة أن أفعل ذلك ونسبة نجاحي كانت جد مرتفعة، ليس لأنني أمقتك، ولا لأنني أكرهك، ولا لأنكَ عدوي، بل لأن جرح الأنثى وغضبها يستطيعان أن يخلقَا منها أنثى آخرى لا تشبه نفسها فقط لتأخذ ثأرها بيدها.

ولكنني وبالرغم من احتراقي الذي كان بوسعه أن يحرقك، عز علي إحراقك، هُنتَ علي في الوقت الذي أعي فيه جيدا أنني لا أهونُ عليك ولن أهون في يوم من الأيام. حز في نفسي أن أعاملكَ بالمثل، وحز في نفسي أن أسبب لك ما لم تتردد للحظة أن تسببه لي.

نعم أنا مستيقظة، ومتيقنة بقدر انعدام حبكَ لي أنكَ غاضب جدا لأنني لم أخضع لرغبتكَ في إخراجك من روتينكَ الليلي الذي مللته، وأعلم أن رسالتكَ لم تكن حبا بقدر ما كانتَ لتجس نبض قلبي عن بعد، تريدني أن أبقى دائما رهنَ حبك، وترفض فكرة أن أكون لغيرك، لذلك فأنتَ قليل الحضور ودائم الغياب في حياتي الواقعية..، ودائم الحضور وقليل الغياب في قلبي وذاكرتي… وما بين حضوركَ القليل وغيابك المستمر هناكَ أنا وقلبي المذبوحان في كل حين.. وما بين حضورك الدائم بي وغيابك الذي يكاد ينعدم هناكَ حبٌ صادق ما كان يوما يُناسبُ مقاسك..

فاعذرني هذه الليلة التي لم تكن تشبه كل ليالي عودتك المتفرقة، اعذرني بقدر الحب الذي أكنه لكَ لأنني لم أخضع لرغبتك هذه المرة، اعذرني لأنني حاولتُ أن أتجاهلكَ كعادتك التي ما كانتَ يوما من عاداتي.

مستيقظة واستيقاظي هذا لن يغير من حالنا، فأنتَ ستبقى كما أنت، تبخلُ علي بك وتحرمني منك كل الوقت، وأنا أرفض البقاء كما أنا، أسيرتك، تجدني أستحضركَ في غيابك وأستقبلكَ فور عودتك..

سأنام يا وجعي ما أن تشرق شمس يومٍ جديد، فتصبح على خيبة من جراء صمتي وأصبح أنا على قدر كافي من القوة كي ألتزم بهذا الصمت.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

نسرين علول

مدونة مغربية، كاتبة إلكترونية، طالبة باحثة، عضوة في مجلة إلكترونية. " الكتابة امتحان قاسي ولكنني أكتب لأنني لامست في الكتابة حياة أخرى بطعم مختلف ".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى