العقل الباطن طبيعته العمل المتواصل بصمت ودقة دون توقف، سواء كنت نائم أم مستيقظ، فيقوم بالعديد من العمليات الحيوية، فمن المهام الرئيسية التي أوكلها الله سبحانه وتعالى إليه، الحفاظ على صحتك وسلامتك، فيعمل على تنظيم سرعة دقات قلبك وانتظام تنفسك، وتوزيع الدم والأكسجين على جميع خلايا جسمك، كما أنه يعمل على التئام الجروح وتجدد الخلايا بدقة متناهيه وإعجازية تدل على عظمة الخالق.
وهو أيضاً مخزن للأفكار والمشاعر والأحاسيس، فالأفكار والمشاعر والأحاسيس تعيد تشكيل الخلايا وتغير العمليات الحيوية بداخلك، فتمرض خلايا وتشفى أخرى، ويسعد إنسان ويشقى آخر، فيؤثر العقل الواعي من خلال الأفكار المخزنة بـالعقل اللاواعي على الجسد في صورة صحة أو مرض، مما يدل على أن طاقة الشفاء تكمن بداخلك!
عن طريق تغذية العقل اللاواعي بالأفكار البناءة الإيجابية المشبعة بالثقة والإيمان بالله وبقدراتك اللامحدودة التي رزقك الله عز وجل، ومن خلال جسر التناغم والتوافق الذي قمت أنت بإنشائه بين عقلك الواعي المصدر الرئيسي لأفكارك والعقل الباطن الذي يعتبر المصدر المحفز لشفائك وسعادتك وتحقيق أحلامك.
بناء على ما سبق نستنتج قاعدة مهة جدا تَحثُّنا على عدم القيام بفعل أي شيء إذا لم تكن لنا أسباب كافية، واضحة، ثابتة، مقنعة ومُحَفزة للعقل الواعي تدفعنا لهذا الفعل وتحببنا فيه، بعدها سوف تصبح الأسباب واضحة جدا بالنسبة لك، قم بتدوينها ليس فقط على صفحات مذكرتك بل كذلك في قلبك وعقلك بِمِدَادِ أحاسيسك، بعدها قم بالمواظبة على قراءتها باستمرار، هذا كله يَجْعَل الحماس يعود لهذه الأسباب كأول مرة.
إذن طالما الحماس موجود والهذف واضح، والتركيز عالي، والنِّيَّة متجددة، والأسباب المُرْتبِطة بالزمان والمكان، المادَّة والطاقة معروفة ومضْبوطة من طرف العقل الواعي وواضحة، فإن الإنسان ينطلق ويتطلع باستمرار إلى الإنجاز، وكلما أنجزت أحببت إنجازك، وكلما أحببت إنجازاتك، أصبحت إنسان طموح ناجح وَمُصِر على الإنجاز أكثر وأكثر، لأن الذي سبب قوة الحماس، الدافع، والذي سبب الدافع، الرؤية، والذي سبب الرؤية، ستجد الغرض، والذي سبب الغرض، ستجد الهدف، والذي سبب كل هذه السلسلة، ستجد الحماس، والذي سبب الحماس، ستجد القِيمَة، نعم القِيمَة العُليا هي من أوْصَلتنا للحماس، وماذا حصل للحماس حتى أصبح محرك ومزَوِّد رئيسي للدافع؟ وماذا حصل للدافع حتى أصبح قوة جبارة أوصلتنا كذلك للفعل؟
الحماس أصبح في مستويات عالية، ولِلاسْتفادة من هذا المستوى العالي من الحماس يجب أن تفرغه في القِيَّم، إذا بهذه العملية تكون قد انتقلت إلى التقة العالية في النفس، وهي مرحلة حاسمة يجب اسْتِتْمَارها في الفِعْل تدريجيا إلى أن تصبح جزء لا يتجزأ منك، بعد كل هذا تكون قد وصلت إلى مرحلة جد متقدمة، يكون الحماس فيها لا يقل ولا ينقص أبداً، لأنك تمكنت من التحكم فيه، بمعرفتك للقِيمة التي زَوَّدَتْك بالأسباب، التي زودتك بدورها بالحماس، الذي نتج عنه الدافع، الذي أوْصَلَك إلى هذا السلوك.
وفي حالة شُرُودِك عن السلوك تَعُود مرة ثانية إلى القيمة التي أوصلتك لكل هذا، لأن الحماس لا ينقص بل التركيز هو الذي يقل، أما الحماس موجود مع تركيزه، بمعنى أدق موجود بِنِيَّتِه، أي موجود بأسبابه.
بمجرد الرجوع إليه تسترجع كل شيء، لأنه أصبح قيمة عُلْيَا بالنسبة إليك، لا يمكنك التخلي عنه مهما كانت الأسباب، كما أنه أصبح دات أهمية قصوى في حياتك، أما زيادة التركيز يجعل الأسباب كافية وقوية، لدرجة أن تصبح أنت والهدف واحد.
معرفتك الدقيقة بكل هذا معرفة يَقِينِيَّة، تَدْفَعُك لِتَطبِيقِه في كل شيء مرتبط بحياتك الدُّنيَوِيَّة والأُخْرَوِيَّة على حَدٍّ سَوَاء، لأنه أصبح نجاح مستمر في الزمن تَحَقَّقَ في الدنيا والآخرة.
لا يمكن للحماس أن يَنْقص إطلاقا نظرا لأنك تتوفر على أسباب كافية تعطيك رغبة عالية، رغبة مشتعلة، تدفع القِيمَة أكثر ولا تَتْرُك مجال لِنُقْصَان الحَمَاس، فتلاحظ أن حماسك منبعه نِيَّتك التي مَدَّتْك بالإِرَادة، والاثْنَينِ قُوَّتهُم في الرُّؤْيا، فمعنى هذا أصبحت النِّيَّة رُوح النية، وأصبحت الإرادة قوة الإرادة، التي تزيد وتكبر كلما زادت الأسباب وكلما زادت الأسباب يُولد الحماس، عندها يشتعل الحماس ولا يمكن أن يوقفه إلا التحديات في الحياة.
إذن في هذه اللحظة الحماس لا يقل ولكن أنت من جعلت كل تركيزك في التحديات، لكن الحماس لازال مكانه ينتظرك، ولسان حاله يقول: أنك حققت معه نتائج رائعة، فالنية أصبحت وضوح النية، والإرادة أصبحت قوة الإرادة، ووضحت لك الأسباب، زَوَّدتك برغبة مُشْتَعِلَة، وبعد كل هذا الجهد والعمل الجبار صَرَفْتَ كل تركيزك على تحديات الحياة.
فيحدت بينك وبين المُخْ حوار داخلي يريد المُخْ من خلاله معرفة الأسباب التي دفعتك للتخلي عن هدفك، تكون إجابتك عبارة عن تشخيص لحالتك النفسية، في هذه الظَّرْفِيَّة وهي الانفعال، فيقوم المخ بملاعبتك واستفسارك، هل أنت متأكد؟ تكون إِجَابَتك نَعَمْ، يقوم المخ بِطَلَب أحاسِيس تُثْبِت صِحَّة قَوْلِك وَصِدْق نِيَّتك، تقوم بِتَزْوِيده بأحاسيس تُثْبِت دَرَجة انفعالك وسَخَطِك، يقوم المخ بالتأكد من الحالة النفسية الراهنة، فتقوم أنت بتأكيدها لعدم معرفتك المسبقة بطريقة اشتغاله، فيسجلها لك اعْتِقَاد، ويستمر في التأكيد وأنت تستجيب سلْبِيًّا بتكرير نفس الإِحْسَاس.
برمجة ذاتية تستمر فتصبح تَكَيُّف عَصَبِي، تطلع تلقائيا كطبيعة ثابتة مع التكيف العصبي وتصبح عاجز عن التَّقدُّم والنجاح، خلاصة التجربة، المخ جعلك فاشل بكل المقاييس، كيف؟
العقل البشري يقوم بمساعدتك على النجاح طِبقا لِما تقول له، فإذا قلت له أنك فاشل، وأكدت له الفشل بأحاسيسك وباعتقادك، مباشرة بعد ذلك أصبحت بَرْمَجَة ذاتية، تزيد من التأكيد عليها، تصبح تَكَيُّفْ عَصَبي، عندها مباشرة يقوم المخ باتصال داخلي من أجل التنسيق للاشتغال ضِدَّ النجاح، لأنك أنت من اخْتَار الفشل، بعدها يصدر حكم داخلي من المحكمة العليا في المخ من طرف السيد القاضي الداخلي على هذا الشخص بالفشل، حتى صدور أوامر أخرى تأتي منه شخصيا.
إذا لم يغير هذا الشخص سلوكه وتفكيره، ويقول شيء آخر مخالف تماما للفشل، سوف يستعمل المخ كل الوسائل المتاحة في انسجام داخلي لا يوصف، وبفعالية رهيبة، حتى يصبح صديقنا من الأوائل في الفشل، وعضو كامل العضوية في منظمة الفاشلين، زِدْ على ذلك أَنَّ العقل البشري سوف يساعده دون تردد على التوسع والانتشار من نفس النوع.
فينجدب له فاشلون من نفس نوعه طبقا لقانون الانجداب، فَيسْتَمِّرُّ في الامتعاض من نفسه والانتقاص منها دون وَعْي، بذل تغيير إستراتيجية حياته، لأنه لا يدري أو لا يدري أنه لا يدري، فيصبح محاطاً بالفاشلين من كل حدب وصوب لأن العالم الداخلي هو مَنْ يحدد العالم الخارجي.
قال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد: 11).
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 53).
إذن لو أحببنا أن يكون عالمنا الخارجي جميلا كله نجاح، إشعاع وتألق، يجب علينا تغيير عالمنا الداخلي أوَّلاً، نظرا لنظام التأمل بالشفافِيَّة.