الطفولة هي الكلمة التي لطالما تعود كل واحد فينا عندما تضيق الدنيا به وتزدحم بمشاكلها وصعوباتها. إن يلجأ ويخلد إلى ذاكرته ليتتطرق إلى أيام الطفولة المحملة بالكثير من المعاني والأحاسيس الجميلة، الأيام التي نتمنى أن نرجع إليها يوما واحد فقط، لنعيشها من جديد ببراءتها وعفويتها وضحكاتها وأفراحها وعطفها وحنانها وطيبة القلب وعدم تحمل المسؤولية والكثير من الإيجابيات.
وحتى تلك السلبيات التي كنا نتعرض لها أحيانا من بعض الأشخاص الساذجين و ”غير الطفولين”، تبدو جميلة جدأ مقارنة بما حل بأطفال سوريا اليوم، فتلك السلبيات لا تساوي شيء، وربما تكون أفضل شيء يعيشه الطفل السوري الآن فهو مقتول الطفولة ومغتصب الحقوق ومسروق المشاعر والأحاسيس الطفولية البريئة، فالقتل والاعتقال والتشرد والعنف والعمالة والبؤس والشقاء والحرمان.. وغيرها الكثير هي عنوان أطفال سورية.
قد يصعب على أي دولة أن تحقق أي إنجاز عالمي خلال سنين الحرب، فالحرب كما يعلم الجميع عنوانها القتل والدمار وجسمها الألم والحزن وخاتمتها البؤس والشقاء، لكن هنا في سوريا يوجد حالة شاذة خارجة عن المألوف، حالة تزامنت مع احتفال العالم بيوم الطفل العالمي، بعد مرور 28 عام على توقيع اتفاقية حماية حقوق الطفل والتي تعد وصمة عار على جبين دول العالم كافة والأمم المتحدة والدول العربية خاصة، الذين وقعوا ومن ضمنهم سوريا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 على اتفاقية حماية حقوق الأطفال وزجها ضمن القانون الدولي..
وقع النظام السوري على اتفاقية حماية حقوق الأطفال وحمايتهم من كل شخص يتعدى عليهم حتى وإن كان من عائلته، لكنهم فعلوا على الأرض عكس ذلك تماما، فالقتل والتشريد والبؤس والشقاء للأطفال كان شعارهم منذ بداية الثورة السورية.
الإنجاز هو أن بلادي سوريا الآن باتت في ”صدارة دول العالم، على صعيد الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال”، بحسب ما كشفت عنه الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حيث ذكرت أن ما لا يقل عن “26 ألفًا و446 طفلًا”، قتلوا في سوريا، منذ آذار عام 2011، قتلوا على مرأى دول العالم كافة وتحت أنظار الدول العربية وبرعاية روسيا وإيران والنظام السوري.
نعم، لم يكن يعلم 26 ألفا و446 طفل سوري أن بلادهم كانت أول الموقعين على حماية حقوق الأطفال، لم تتح الفرصة لـ400 طفل معتقل في غياهب سجون النظام السوري أن يعلموا ويعرفوا بأن لهم يوما عالميا من كل عام يحتفلون فيه بالحرية والكرامة، لم يدرك مليون طفل ولدوا من دون أحد والديهم بأن من حق الطفل العيش مع والديه، لم يستطع 3.2 مليون طفل سوري أن يتلقوا العملية التعليمية والتربوية بسبب الفقر والبحث عما يسد رمق العيش، وأخيرا هنالك تحت مخيمات اللجوء في ظل الحر الشديد والبرد القارص ولد 230 ألف طفل سوري لا يعرفون وجهة حدود بلادهم أين تقع.
هذه هي الطفولة في سورية، طفولة البؤس والشقاء، لا طفولة الفرح والابتسامة، وهذه الحالة الإنسانية لم تقتصر على أطفال سورية فقط، فقد تتمدد إلى أرجاء العالم الذي وقف مكتوف الأيدي حيال الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق الطفولة والإنسانية.