في إحدى جلساتها معي، قالت بصوت من فقد قدرته على الشعور بأي شيء:
هل يعلمون كم هم صعب أن نخبرهم كم نحن بحاجة إلى مجرد وجودهم؟!
لا يعلمون، أليس كذلك؟
هذا ما أظنه، إنهم لا يعلمون ولا يدركون شيئاً لأنهم لو علموا لما زادوا الأمر صعوبة بجفائنا، وما أهانوا قلوبنا بالتفنن في إظهار عدم اكتراثهم بمشاعرنا بل وفوق ذلك التهكم منها.
لكن أتعلمين، إن الخطأ الأساسي يقع على عاتقنا فنحن من سمحنا بذلك!
دوماً يرادوني تساؤل.. أما هناك من فرصةٍ لنستطيع أن نحيا بسعادةٍ وهناء ونحن وحدنا، وحدنا وفقط، في سلامٍ نفسي وراحةٍ من كل أحد؟ لماذا نحتاج إلى صحبة ورفقة؟!
.
صمتُّ طويلاً أستمع إليها بحرصٍ ثم قلت: حدثيني كيف بدأت تلك العلاقات وما الذي حدث فيها بالتفصيل – ما استطعت – وأنا هنا معك أعدك أني سأسمع بإنصات.
.
تَنهدَت وصَمتَت قليلاً ثم قالت:
حَسنٌ! سأروي لكِ كُلَ شيء، فقد كان الأمر مُتعِباً جدًا، ولطالما وددت لو أفرغت كل ما في جُعبَتي لعلي أرتاح.
ثم راحت تقص وتحكي مواقف من هنا وهناك، كانت وسط حديثها تبكي أحياناً وتتألم شفقة على قلبها، وأحياناً تبكي شوقاً لما قد مضى، وسط ذلك كانت تبتسم بحنين وحب، حتى انتهت وقالت بابتسامة مشرقة؛
أتعلمين لقد كانت هناك كثير من الأوقات الرائعة وأستشعر الآن كم كانوا يحبونني كما أفعل…
وراحت تسرد إيجابيات وكأنه لم يكن هناك حزن، ثم قالت: لا أدري ما الذي حدث ، وكيف وصلنا إلى تلك النقطة؟!
ابتسمت وأجبتها قائلة: وهل كانت الحياة يوماً على وتيرة واحدة لأحد؟
لعلهم كانوا يوماً أقوياء ثابتين وبجانبك كالجبال الرواسي ولقلبك كاللبن الدافيء، ثم الآن كأي بشر طبيعي يعانون ضعفاً نفسياً لا يعلم عنه سوى الله، لعلهم يا حبيبة في وادٍ بعيد يحتاجون -حتى لو لم يشعروا- إلى من يَقبَلهم كما هم وينتظرهم ويدعمهم بكل شيء ويدعو لهم من هو بهم عليم..
وحين نتساءل ما الذي أوصلنا إلى هنا، إلى النقطة التي لا نستطيع فيها أن نبتعد ولا أن نقترب، إلى حيث لا نعلم هل في البعد داءونا أم أنه هو عين الدواء؟!
يدفعنا ذلك إلى السؤال عما الذي أوصلنا إلى درجة القرب هذه حيث يصعب اتخاذ القرار!
ولكن هل كان بأيدينا ألا نحب؟!