أن ترى من هم مقلة العين، وزبد الفؤاد يتألمون وأنت لا حيلة ولا قوة لك غير الدعاء والتأمل خيرا، والتألم لمصابهم الجلل، المرض لا يؤذي المريض بل كل الأحبة، ابتلاءا يكفر الخطايا وفيه نعرف دروسا قلما نعرفها في الصحة فالحمد لله..
جدي حفظك الله ورعاك، طبت طيبا في كل فضاء، أنت الأب الأول قبل أبي، أنت الضحكة التي أضحكها، أنت الراحة والفرحة، أنت الأمل والتأمل، أنت القوة قبل الضعف، أنت السند والمستند، آلمني مرضك وأبكاني تعبك، لكنها سنة الكون يا با جدي، أيها المقدام الطيب المثال السوي، الرجل المرح ذو الوجه المستنير، أنت قوتي وقلبك طاقتي، أعزك معزة صادقة وأنت تدري ذلك جيدا..
مرضك لم يكن بالحسبان حتى وإن كان من أصعب ما تمر به..
لسانك اللاهج حمدا، شكرا، قوة صبرك تجعلني أشعر كيف أبدو ضعيفة بلا قوة إيمانية، كنت درسا وحكمة، ودرسا لن يمحى، صبرت على أجم الصعاب، سلامك الحار يوصل شوقك وحبك وأنت في فراش المرض، فزت في الابتلاء ولازلت شامخا، صاروخا في الصبر لا حيلة غير التحمل والتصبر..
- اليهودية رايموند بيشار.. الجزائرية الأوروبية التي سقطت شهيدة من أجل أن تحيا الجزائر
- أم وطفل قعيد.. وجملتان فقط
- الجزائر… دستور وجرعة إصلاح
- عقيدة الفهم عند الفرد الجزائري
- الدولة والكنيسة والعلم في فكر هيغل
سعداك يا قدوتي في صغري وكبري، يا حبا معي في كل دروبي، جسمك الهزيل، تأتاتك المفهومة، صبر يا مقدام، والله أنك كنت ولازلت تضرب بالصبر مثالا، وباليقين دربا يا جدي، يا حبي لدعواتك، لرضاك، لدعمك، لنورك الذي يشبه العذراء في خذرها.. كنت الصبي اليتيم الخلوق، صرت الشاب اليافع الطيب، أصبحت الأب المتفهم، وغدوت الجد المحب، كتبت هاته الفقرة في فترة مرضك، لم أكن أعرف أن الموت سيباغتك، وتبقى ذكرى، لم أكن أدري أنها أيامك الأخيرة وإلا عانقتك بشدة، عنـاق يكفيني لكل هذه الأيام التي تخلو منك.
– مــــــــــــوتــــــك
رحلت لكن روحك في كل تفصيلة في حياتي، لا تزال بسمتك، نظرتك، صوتك يخالجني، نعم انكسرت عند رحليك أنا في راحة أنك عند من يحبك أكثر، عند الرحمان الرحيم، من اختارك لراحة دائمة عند خالقك، إن شاء الله في جنات عرضها السموات والأرض، عند من عشت على مراده في كل حركة وسكون، عند من عشت حياتك تعبده حق العبادة، كنت نعم القدوة.. نعم العبد في تحمل الأذى، كنت أبي، صديقي، جدي، أخي، غروري، كبريائي..
أتدري يا جدي أن جزء انهدم داخلي صرت قاسية بعدك، حتى البكاء لم يعد يشفي غليلي، فجأة عدت حيث الصفر من القمة حد الحضيض، رحليك كان لا بد منه لكن لم أردك أن ترحل، تمنيت لو زدتك من عمري حتى أشبع منك، كنت الكتف وقت الكسر والضحكة وقت الدمع، بلسما يداوي كل ندوب الحياة وراحة لبالي..
لمن سأحكي الآن؟ إذا قتلني الشوق أين سأراك؟ إن كنت متعبة لمن سأشكي همومي؟ من سأجد بانتظاري يوم العيد؟
أتدري أول عيد لي بدونك، كل شيء ناقص ومبهم وباهث الوجود، فرحة مكسورة مع بسمة تغالب الحزن..
حين موتك استشعرت كسرة أبي بكر عند موت رسول الله حين جثا يقبله ويبكي، وحزنا يحاوط الصحابة وأهل البيت الكرام، كسرة لا تشفى بالبكاء أو حتى الصراخ، كنت وستبقى نعم الأب، نعم الجار، نعم الصادق، نعم الصالح، نعم الجد، وهل مثلك ينسى يا طيب!!
كأن العمر لا يكفي إن شاء اللقاء الجديد في جنات الرحمان، أتدري يا جدي أمنيتي أن أصبح مثلك، في كل تفصيلات حياتك، أن أمر كالنسمة في كل درب، أن تغدق عليا دعوات الخير من حيت لا أدري، أن أتعلم أن الصبر هو مفتاح الفرج، أن لا تهزني تقلبات الحياة، أريد ذاك الثبات الكامن في عينك، تلك الطيبة النابعة من القلب، وحيث أمر أترك وردا، حبا، فرحا..
أتدري كأنك لم تمت، تمنيت عند رحليك أن أهرب إليك وأخبرك أنك رحلت، لازلت في صمت الصدمة وأنك على قيد الحياة أو أنك مسافر وستعود..
حتى في الحلم أستيقظ وأنا في اشتياق لك، أتدري حتى الكلمات، حتى حروف اللغة، لن تعبر أو توصل مدى معناك في حياتي ولن تشفي غليلي في الحديث عنك..
تمر الأيام والدعاء كل ما أملك، والصبر للسير قدما في حياة فارغة منك، عسى اللقاء قريب.
نتحرق شوقا لمن هم بالحياة وكأنهم أموات فما بالكي بمن هم تحت التراب وفي قلوبنا احياء، دمت متألقة